المورد الأوّل : ما إذا اُحرز متعلّق النهی
لو کان النهی تنزیهیاً أو غیریاً ، لما اقتضی النهی الفساد مطلقاً ؛ سواء کان المتعلّق السبب بما هو سبب ، أو المسبّب ، أو غیرهما ، وهو واضح .
کما أنّه لا إشکال فی أنّه إذا کان النهی إرشاداً إلی الفساد ، لاقتضی فساد المعاملة ، سواء تعلّق النهی بالسبب ، أو بالمسبّب ، أو بالتسبّب ، أو بترتیب الآثار .
وأمّا لو کان النهی تحریمیاً ، فإن علم کون المتعلّق ألفاظ المعاملة ، أو السبب بما هو سبب أو المسبّب ـ بل التسبّب لو کان قسماً آخر ـ فلا ملازمة بین النهی والفساد عقلاً ؛ بداهة أنّه من الممکن عقلاً مبغوضیة التکلّم بلفظ ، أو سببیة شیء لشیء ، أو التسبّب بشیء ، أو حصول المسبّب ، مع وقوع تلک الاُمور خارجاً ، وذلک کسببیة آلة الحیازة الغصبیة لحصول الملک ، فإنّ الملکیة تحصل بتلک الآلة مع مبغوضیة التسبّب بها عند الشارع ، وکتملّک الکافر للمسلم ، فإنّه یمکن أن یصیر الکافر مالکاً للمسلم ، ولکنّه یجبر علی بیعه .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 171 وبالجملة : لا ملازمة عقلاً بین مبغوضیة تلک الاُمور ووقوعها خارجاً .
ولکن یقع الکلام فی أنّه هل یلازمه عقلائیاً ؛ بمعنی أنّه هل یفهم العرف والعقلاء ملازمة بین النهی وعدم وقوعها ، أم لا؟
قال الشیخ الأعظم قدس سره فی مورد تعلّق النهی بالمسبّب : لو قلنا بأنّ لهذه الألفاظ سببیةً عقلیةً لوقوع المطلوب منها ، والشارع کشف عنها ، فالباب باب واقعیة ؛ مجهولة عندنا ، معلومة عند الله ، فلا یدلّ النهی علی الفساد ؛ لأنّ الصحّة والفساد علی هذا أمر واقعی لا تناله ید الجعل ، وحیث إنّ مملوکیة المسلم للکافر مبغوضة مثلاً یجبر الکافر علی إخراج المسلم من ملکه .
وأمّا إن قلنا بأنّ تسبّبها بجعل من الشارع ، فلابدّ من القول بدلالة النهی علی الفساد ؛ لأنّ من البعید فی الغایة جعل السبب فیما إذا کان وجود المسبّب مبغوضاً .
فالشیخ قدس سره مفصّل بین کون الأسباب مجعولة ، فیدلّ النهی علی الفساد ، وبین کونها أسباباً عقلیة فلا تکشف عن الفساد .
وفیه أوّلاً : أنّه لو تمّ ما أفاده قدس سره فلا فرق فی ذلک بین تعلّق النهی بالمسبّب ، أو بالسبب ، فیقال : لو کانت سببیة هذه الألفاظ عقلیة ، فالنهی عنها لا یکشف عن فسادها ، وأمّا لو کانت مجعولات شرعیة فیبعد جعل السببیة لها مع مبغوضیتها .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 172 وثانیاً : أنّ التردید فی کلامه قدس سره بکلا شقّیه غیر وجیه ؛ لعدم کون المعاملات الدارجة بین العقلاء ، اُموراً عقلیة وحقائق لم یطلعوا علیها ، بل هی اُمور عقلائیة اعتبروها حسب احتیاجاتهم وارتباطات بعضهم مع بعض ، ومن القریب عدم وجود جمیع هذه المعاملات الدارجة فی القرون السابقة ، بل کان لهم بعضها فی حیاتهم البسیطة ، فکلّما کثرت الارتباطات والاحتیاجات حدثت معاملات لم تکن دارجة ، ألا تری أنّ معاملة التأمین حدثت فی عصرنا هذا ، ولم یکن لها قبل عصرنا منها عین ولا أثر!!
وبهذا ظهر عدم کونها مجعولات شرعیة ، بحیث یکون للشارع فیها تعبّد وجعل ، بل هی اُمور عقلائیة دارجة بینهم أمضی الشارع ما هم علیه فیها بزیادة جزء أو شرط ، أو نقصهما .
فتحصّل : أنّ المعاملات الدارجة لم تکن أسباباً عقلیة ، ولا شرعیة ، وإنّما هی اُمور عقلائیة ممضاة فی الشریعة .
فعلی هذا إذا تعلّق نهی بمعاملة ـ سواء تعلّق بالسبب ، أو بالمسبّب ، أو بالتسبّب ـ فمن المعلوم أنّه لا ملازمة بین النهی والفساد ؛ لأنّک عرفت أنّه من الممکن مبغوضیة التسبّب بسبب خاصّ ، أو نفس التسبّب ، مع تحقّقه خارجاً ، کالحیازة بالآلة المغصوبة ، فإنّه تتحقّق الحیازة بها ، یترتّب علیها الآثار الوضعیة ، مع حرمة استعمالها ، وکالظهار ، فإنّه مع مبغوضیته یحصل به الفراق ، وکذا یمکن أن یکون المسبّب مبغوضاً مع حصوله، کبیع المسلم والقرآن من الکافر، فیجبر الکافر علی بیعهما.
فتحصّل ممّا ذکرنا : أنّه لا ملازمة عقلاً ولا عقلائیاً بین تعلّق النهی التحریمی بألفاظ المعاملة بما هی ألفاظ ، أو بما هی أسباب ، أو بالتسبّب بها ، أو بالمسبّب ، وبین الفساد .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 173 نعم ، لو تعلّق النهی بمعاملة لأجل مبغوضیة ترتّب الآثار المطلوبة علیها ، فلا إشکال فی دلالته علی الفساد ؛ لأنّ حرمة ترتّب الآثار علی معاملة ، مساوقة لفسادها عرفاً ، کما لا یخفی . هذا إذا اُحرز تعلّق النهی بأحد العناوین المذکورة .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 174