الجهة الثانیة : فی حکم النهی المتعلّق بالمعاملة
ینبغی قبل ذکر حالات النهی المتعلّق بالمعاملة ، الإشارة إلی ما أفاده المحقّق النائینی قدس سره فی المقام ووجه ضعفه ؛ ثمّ تعقیبه بما ینفع المقام .
قال ما حاصله : أنّ النهی المتعلّق بالمعاملة إذا کان تحریمیاً ، فتارة : یتعلّق بالسبب ، واُخری : بالمسبّب ، وثالثة : بالآثار المترتّبة علی المسبّب ، کالتصرّف فی الثمن والمثمن ، وغیر ذلک من الآثار المترتّبة علی المعاملة .
والتعبیر بـ «السبب» و«المسبّب» لا یخلو من مسامحة ؛ لأنّه لیس باب العقود والإیقاعات باب الأسباب والمسبّبات ، بل هی من باب الإیجادیات ، والإیجاب والقبول بمنزلة الآلة لذلک .
والمراد من تعلّق النهی بالسبب ، تعلّقه بالإیجاد بمعناه المصدری ، ویکون المنهی عنه إیجاد المعاملة وإنشاءها والاشتغال بها ، کالبیع وقت النداء ، حیث إنّ المحرّم الاشتغال بالبیع وقت النداء ، لا النقل والانتقال .
کما أنّ المراد من تعلّقه بالمسبّب ، تعلّقه بالموجد بمعناه الاسم المصدری ، ویکون المحرّم والمبغوض هو المنشأ والنقل والانتقال ، کبیع المصحف من الکافر ، حیث إنّ المبغوض نقل المصحف من الکافر ، لا إنشاء النقل ، ومبغوضیة الإنشاء لمکان ما یستتبعه من الأثر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 167 فإن تعلّق النهی بالمعاملة بالمعنی المصدری ، فهو لا یقتضی الفساد ؛ لعدم الملازمة بین حرمة الإیجاد ومبغوضیة الموجد وعدم تحقّقه .
وأمّا لو تعلّق النهی بالمعاملة بالمعنی الاسم المصدری ، فیقتضی الفساد ؛ لخروج المنشأ حینئذٍ عن تحت سلطانه ، ولا قدرة علیه فی عالم التشریع ، والمانع الشرعی کالمانع العقلی .
وبالجملة : الأمر والنهی الشرعیان ، موجبان لخروج متعلّقهما عن سلطنة المکلّف ، ویکون فی عالم التشریع مقهوراً علی الفعل أو الترک . ومن هنا کان أخذ الاُجرة علی الواجبات غیر النظامیة حراماً ؛ لخروج الفعل بالإیجاب الشرعی عن تحت قدرته وسلطانه ، فلا یمکنه تملیکه إلی الغیر لیأخذ الاُجرة علیه .
نعم ، فی الواجبات النظامیة حیث تعلّق الإیجاب بالمعنی المصدری ، فیجوز أخذ الاُجرة علی عمله ، فإذا تعلّق النهی بنفس العمل ، فإنّه یخرج عن تحت سلطانه ، ویکون النهی مخصّصاً لعموم «الناس مسلّطون علی أموالهم» . . . إلی أن قال : هذا إذا تعلّق النهی بنفس المنشأ ، وأمّا إذا تعلّق بآثاره ـ کقوله : «ثمن العذرة» أو «الکلب سحت» ـ فهو یکشف أیضاً إنّاً عن عدم ترتّب المنشأ وعدم تحقّقه ، انتهی ملخّصاً .
وفیه أوّلاً : أنّه لا إشکال فی أنّ وجوب شیء أو حرمته ، لا یوجب سلب السلطنة التکوینیة والمقهوریة التکوینیة ، بل غایة ما یقتضیانه هی أنّه بوجوب الشیء علی المکلّف ، لا یجوز ترکه ، کما أنّه بحرمة شیء علیه لا یجوز فعله ، وحینئذٍ فلو اُرید بسلب السلطنة والمقهوریة هو هذا المعنی ـ ولا معنی لهما غیره ـ فهو عبارة
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 168 اُخری عن الوجوب والحرمة ، فتعلیل عدم جواز أخذ الاُجرة بذلک مصادرة ؛ لأنّ المدّعی هو أنّه إذا وجب شیء علی المکلّف ، لا یجوز أخذ الاُجرة علیه ، ویوجب فساده ، ودلیله هو أنّه بوجوب شیء علیه یلزم أحد الطرفین ، ولا یجوز الآخر ، فتسلب القدرة وإمکان الترک ، ویقهر علی الفعل ، ومن المعلوم أنّ سلب القدرة تشریعاً عبارة اُخری عن وجوبه ، وهو أوّل الکلام ، فیکون مصادرة .
وفیما نحن فیه یکون المدّعی : هو أنّه إذا حرمت المعاملة بالمعنی الاسم المصدری ، فمقتضاه فساد المعاملة ، ودلیله هو أنّ حرمتها توجب خروجها عن تحت سلطانه ، ویسلب عنه إمکان الفعل ، ومن المعلوم أنّه عبارة اُخری عن الحرمة ، وهی أوّل الکلام ، فتکون مصادرة .
وثانیاً : لو سلّم أنّ المانع الشرعی کالمانع العقلی ؛ وأنّه بوجوب شیء أو حرمته یسلب إمکان الفعل أو الترک ، لتوجّه علیه : أنّه لا وجه للتفرقة والقول بالفساد لو تعلّق النهی بالمعنی الاسم المصدری ، والقول بعدم الفساد لو تعلّق النهی بالمعنی المصدری ؛ لأنّه بوجوبه أو حرمته بالمعنی المصدری ، أیضاً تسلب القدرة فی عالم التشریع ، کما تسلب بتعلّقه بالمعنی الاسم المصدری .
وکیف کان : فلنعد إلی موضوع البحث فنقول : لیس المراد بـ «السبب» أو «المسبّب» ما یتبادر منهما فی التکوینیات ؛ بحیث تکون المعاملة السببیة لها نحو تأثیر مثل الأسباب التکوینیة ، حتّی یقال فی جواب من أشکل : بأنّ المعاملة غیر مقدورة للشخص ، فکیف یصحّ تعلّق النهی بها؟! إنّ المعاملة المسبّبیة مقدورة للشخص بلحاظ القدرة علی سببها ، کما یقال ذلک ویصحّ فی الأسباب التکوینیة .
بل المراد بـ «السبب» هو کون تلک الألفاظ موضوعة لاعتبار العقلاء الممضی لدی الشرع ، فمن أنشأ التملیک للغیر بعوض مع ما یعتبرونه بشرط لحوق القبول ،
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 169 یعتبرون عند ذلک تملّک القابل للعرض والمتاع ، وتملّک الموجب للثمن ، فلم یکن فی البین فعل تسبیبی حتّی یقال بعدم کونه تحت اختیاره .
نعم ، یمکن أن یکون تحت اختیاره بمعنی آخر ؛ بلحاظ إیجاده ما هو موضوع اعتبار العقلاء ، فیمکن تعلّق النهی بالمسبّب بلحاظ إیجاد الشخص ما یکون موضوعاً لاعتبار المبغوض عندهم ، فیکون النهی عنه بنحو من الاعتبار .
إذا تمهّد لک ما ذکرنا فنقول : إنّ النهی المتعلّق بالمعاملة یتصوّر علی أنحاء ، بعضها خارج عن موضوع تعلّق النهی بالمعاملة ، ولکن نشیر إلیه أیضاً إیضاحاً للمقال ؛ وذلک لأنّ النهی :
تارة : یتعلّق بألفاظ المعاملة ، لا بما هی سبب للنقل والانتقال ، بل بما أنّها ألفاظ خاصّة .
واُخری : یتعلّق بها بما أنّها أسباب وآلات خاصّة للنقل والانتقال .
وثالثة : یتعلّق بالمسبّب .
ورابعة : یتعلّق بالتسبّب بهذا السبب الخاصّ ، فلا یکون السبب مبغوضاً ، کما أنّ المسبّب لم یکن مبغوضاً ، بل التسبّب بهذا السبب ، کالظهار ، فإنّ مفارقة الزوجة لیس مبغوضاً فی الجملة ، إلاّ أنّ التوسّل بالظهار مبغوض فی نظر الشارع ، ولعلّه یمکن إرجاعه بنحو إلی السبب بما هو سبب .
وخامسة : یتعلّق بأنحاء التصرّفات التی تترتّب علی المعاملة .
ولا یخفی : أنّ النهی المتعلّق بألفاظ المعاملة بما أنّها ألفاظ خاصّة ، خارج عن موضوع تعلّق النهی بالمعاملة ، کما أنّ النهی المتعلّق بأنحاء التصرّفات أیضاً خارج ؛ لکونه نهیاً عن الآثار ، لا عن المعاملة نفسها ، فلو قلنا : إنّه فعل تسبیبی للشخص فمعنی النهی عنه النهی عن إیجاد المبادلة خارجاً ، وأمّا علی ما ذکرناه
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 170 فمعناه النهی عن الإنشاء بهذه الألفاظ ؛ لمبغوضیة حصول التملیک والتملّک بها .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 171