توجیه المحقّق النائینی فی المقام
قال المحقّق النائینی قدس سره فی القسم الأوّل ـ وهو ما إذا کانت النسبة بین ما تعلّق به الأمر وما تعلّق به النهی التنزیهی ، عموماً من وجه ، کالأمر بالصلاة ، والنهی عن الکون فی بیوت التهمة ـ ما حاصله : أنّ هذا القسم وإن کان داخلاً فی مسألة الاجتماع ، ویکون مثل ما إذا کان النهی تحریمیاً ، لکنّه فرق بینهما من جهة أنّ النهی التنزیهی ، لا یوجب تقیید متعلّق الأمر بما عدا مورد الاجتماع ، سواء قلنا بجواز الاجتماع ، أو امتناعه ، بخلاف النهی التحریمی ، فإنّه یقتضی التقیید :
أمّا اقتضاء النهی التحریمی ذلک ؛ فلأجل أنّ الأمر بالطبیعة حیث إنّه یقتضی أو
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 101 یتضمّن الرخصة بالنسبة إلی أیّ وجود یفرض من الطبیعة ، وأیّ فردٍ یأتی به المکلّف بمقتضی الإطلاق البدلی ، وأنّ النهی التحریمی لمکان إطلاقه الشمولی ، یقتضی المنع وعدم الرخصة فی إتیان ذلک الفرد ، فیحصل التدافع بین کلّ من إطلاق الأمر وإطلاق النهی ؛ من حیث ما یقتضیانه من الرخصة وعدمها ، فلابدّ حینئذٍ من تقیید إطلاق متعلّق الأمر بما عدا ذلک الفرد ؛ لقوّة إطلاق النهی من حیث کونه شمولیاً ، ویخرج ذلک الفرد عن صلاحیته لانطباق الطبیعة المأمور بها علیه .
وأمّا عدم اقتضاء النهی التنزیهی ذلک ؛ فأمّا علی القول بالجواز فواضح ، وأمّا علی الامتناع فلأجل أنّ النهی التنزیهی ، لا یقتضی المنع وعدم الرخصة ، کما کان یقتضیه النهی التحریمی ، بل التنزیهی یقتضی بنفسه الرخصة ، والمفروض أنّ الأمر أیضاً یقتضی الرخصة بذلک الفرد ، فلا تدافع بین مقتضی الإطلاقین ، فلا موجب لتقیید إطلاق الأمر بما عدا المجمع .
وتوهّم : أنّ الامتناعی إنّما یقول به للزوم تعلّق الأمر بعین ما تعلّق به النهی ، ومع العینیة لا یفترق الحال بین ما إذا کان النهی تحریمیاً ، أو کان تنزیهیاً ، لثبوت المضادّة فی جمیع الأحکام الخمسة .
مدفوع : بأنّ المراد بالعینیة ، لیس أنّ الفرد المأتیّ به عین ما تعلّق به الأمر والنهی ؛ لوضوح أنّ الأمر لم یتعلّق بالمأتی به ، بل تعلّق بالطبیعة بما أنّها مرآة لما فی الخارج ، ویکون المأتیّ به ممّا تنطبق علیه الطبیعة بمقتضی إطلاقها ، وقد عرفت أنّ الإطلاق لا یقتضی أزید من الرخصة فی کلّ فرد مع جواز ترکه إلی بدل ؛ لمکان کون الأفراد متساویة الأقدام فی انطباق الطبیعة علی کلّ منها ، والنهی التحریمی یوجب
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 102 رفع هذا التساوی ، وإلاّ لزم اجتماع الرخصة واللارخصة ، فیوجب التقیید ، بخلاف النهی التنزیهی ، فإنّه لا یرفع هذا التساوی ؛ لبقاء الرخصة حالها ، فتأمّل جیّداً ؛ فإنّه لا یخلو من دقّة ولطافة .
ثمّ تعرّض للقسم الثانی ؛ وهو ما إذا کانت النسبة بین العنوانین عموماً مطلقاً ، نحو «صلّ» و«لا تصلّ فی الحمّام» فقال قدس سره : إنّ الکلام فیه هو الکلام فی القسم الأوّل من عدم اقتضاء النهی التنزیهی التقیید ؛ لأنّ مقتضی إطلاق الأمر الوجوبی فی «صلّ» یقتضی الرخصة فی الصلاة فی الحمّام ، والنهی التنزیهی لا ینافی هذه الرخصة ، ولایوجب ذلک عینیة متعلّق الأمر والنهی حتّی یلزم اجتماع الضدّین ؛ لأنّ الأمر الوجوبی تعلّق بالطبیعة علی نحو صِرف الوجود ، ولم یتعلّق بجمیع حصصها علی نحو الشمول والسریان ، ومقتضی ذلک لیس بأزید من الرخصة فی إیجاد الطبیعة فی ضمن أیّ حصّة، وهذا لاینافی النهی التنزیهی عن حصّة خاصّة؛ لأنّه أیضاً یقتضی الرخصة.
ثمّ تعرّض للقسم الثالث ، وهو المهمّ بالبحث هنا ؛ وهو ما إذا تعلّق النهی التنزیهی بعین ما تعلّق به الأمر ، کصوم یوم العاشور ، والصلاة عند طلوع الشمس وغروبها ، فقال قدس سره : إنّ التوجیه الذی ذکرناه فی القسمین الأوّلین ، لا یجری فی هذا القسم ؛ لأنّ صوم یوم العاشور ـ بما أنّه صوم یوم العاشور ـ مستحبّ ؛ لاستحباب صوم کلّ یوم بخصوصه ، ومعه لا یعقل أن یتعلّق به النهی التنزیهی ؛ لأجل التضادّ الواقع بین الأحکام الخمسة .
والتوجیه الذی ینبغی أن یقال : إنّ مرکب النهی التنزیهی غیر مرکب الاستحباب ؛ لأنّ مرکب الأمر هو نفس العمل وذات الصوم ، ومرکب النهی التنزیهی هو التعبّد بالصوم أو الصلاة ، والتقرّب به إلیه تعالی ، فلا یلزم اجتماع الحکمین فی مرکب واحد .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 103 فالمقام نظیر تعلّق الأمر النفسی بذات صلاة الظهر مثلاً ، مع الأمر المقدّمی بها من حیث کونها مقدّمة وجودیة لصلاة العصر ؛ لأنّ الأمر النفسی تعلّق بذات صلاة الظهر ، والأمر المقدّمی تعلّق بها بوصف کونها مأموراً بها ، لأنّ ذات صلاة الظهر لم تکن مقدّمة لصلاة العصر ، بل المقدّمة هی صلاة الظهر المأتی بها بداعی أمرها وبما أنّها متعبّد بها ، مثل الأمر الآتی من قبل الإجارة إذا آجر الشخص نفسه لما یکون مستحبّاً علی الغیر ، أو واجباً علیه ؛ لأنّ الأمر الوجوبی الآتی من قِبل الوفاء بالعقد ، إنّما یکون متعلّقاً بالعمل بوصف کونه مستحبّاً علی الغیر ، أو واجباً علیه ، لا بما هو ذات العمل ؛ لأنّ الشخص إنّما صار أجیراً لتفریغ ذمّة الغیر ، ولا یحصل ذلک إلاّ بقصد الأمر المتوجّه إلی ذلک الغیر .
فظهر أنّه لا یکون من اجتماع المثلین ، ولا من اتحاد الأمرین ، کاتحاد الأمر بالوفاء بالنذر مع الأمر بصلاة اللیل عند نذرها ، فإنّ متعلّق النذر هو ذات صلاة اللیل ، لا صلاة اللیل بوصف کونها مستحبّة ؛ لأنّ وصف الاستحباب لا یدخل تحت النذر ، لأنّه بعد النذر تصیر صلاة اللیل واجبة علیه ، فلا یمکن إتیانها حینئذٍ بوصف کونها مستحبّة ، ولابدّ وأن یکون المنذور مقدوراً للناذر فی ظرف الامتثال ، فمتعلّق النذر لابدّ وأن یکون ذات صلاة اللیل ، والأمر الاستحبابی أیضاً تعلّق بالذات ، فیتحد متعلّق الأمر الاستحبابی مع متعلّق الأمر الوجوبی الآتی من قِبل الوفاء بالنذر ، ومعلوم أنّ الأمر الاستحبابی یندکّ حینئذٍ فی الأمر الوجوبی ، کما أنّ الأمر الآتی من قِبل النذر یکتسب التعبّدیة ، فیکتسب کلّ من الأمر الوجوبی والاستحبابی من الآخر ، ما یکون فاقداً له ؛ فیکتسب الأمر الوجوبی التعبّدیة ، کما أنّ الأمر الاستحبابی یکتسب الوجوب ، ولا یعقل فی مثل هذا بقاء الأمر الاستحبابی علی حاله ؛ لوحدة المتعلّقین ، فیلزم اجتماع الوجوب والاستحباب فی شیء واحد .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 104 والحاصل : أنّ ما نحن فیه یکون مرکب کلّ منهما غیر الآخر ؛ فإنّ مرکب الأمر الاستحبابی هو ذات الصوم یوم العاشور ، أو الصلاة عند طلوع الشمس ، والنهی التنزیهی غیر متعلّق بذلک ، بل تعلّق بالتعبّد بالصوم والصلاة فی ذلک الیوم والوقت ؛ لما فی التعبّد بهما من التشبّه ببنی اُمیّة وعبدة الشمس ، لأنّ بنی اُمیّة ـ لعنهم الله ـ إنّما کانوا یتعبّدون بصوم یوم العاشور ویتقرّبون به إلی الله تعالی ، وکذا عبدة الشمس کانوا یتعبّدون بعملهم فی أوّل طلوع الشمس ، فالمنهی عنه بالنهی التنزیهی هو ما کان علیه عمل هؤلاء ، ولیس هو إلاّ التعبّد ، فیکون التعبّد مکروهاً مع کون العمل مستحبّاً ، ولا تنافی بینهما .
نعم ، لو کان النهی تحریمیاً کان ذلک منافیاً لاستحباب العمل ؛ لأنّ حرمة التعبّد لا تجامع صحّة العمل ، بخلاف کراهیة التعبّد المتضمّنة للرخصة ، فتأمّل فیما ذکرناه جیّداً ، انتهی کلامه محرّراً زید فی علوّ مقامه .
وفیما أفاده قدس سره مواقع للنظر :
فأوّلاً : قوله قدس سره فی القسم الأوّل : إنّ الأمر بالطبیعة یتضمّن أو یقتضی الرخصة بالنسبة إلی أیّ فرد منها . . . إلی آخره ، إن کان مراده بـ «التضمّن» قبال المطابقة ؛ حتّی یکون المراد أنّ للأمر مفادین ومدلولین : أوّلهما : المدلول المطابقی ، وثانیهما : المدلول التضمّنی ؛ بحیث یکون لمجموع الکلام دلالتان : دلالة مطابقیة تدلّ علی لزوم إتیان الطبیعة ، ودلالة اُخری تضمّنیة تدلّ علی الرخصة فی إتیان أیّ فرد منها ، فهذا ما لا أظنّ التزامه به ، والظاهر أنّه لم یکن مراده ، ولو کان مراده ففساده غنی عن البیان ؛ ضرورة أنّه لیس فی الأمر إلاّ دلالة واحدة علی متعلّقه .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 105 وإن کان مراده بـ «التضمّن» الأعمّ منه ومن الاقتضاء ، فیتوجّه علیه : أنّ مقتضی تعلّق الأمر بطبیعة ـ نحو «صلّ» مثلاً ـ لیس إلاّ إتیان الطبیعة ، ولا یتجاوز الأمر عمّا تعلّق به إلی الرخصة فی إیجاد الطبیعة فی ضمن أیّ فردٍ ، ولا یدلّ علی الاکتفاء بالفرد ، ولکن حیث إنّ العقل ـ فی مقام الإطاعة والامتثال ـ یری أنّ کلاًّ من الأفراد المأتیّ بها تنطبق علیه الطبیعة تمام الانطباق وتکون الطبیعة عین الفرد ، فیرخّص فی الإتیان بأیّ فرد منها ، فالترخیص إنّما جاء من حکم العقل ، لا من الشرع ، وإطلاق الطبیعة لا یقتضی الترخیص بالنسبة إلی إتیان کلّ فرد ، بل غایة ما یقتضیه هی أنّ الطبیعة تمام الموضوع للإتیان .
فظهر : أنّ الأمر لا دلالة له ـ لا تضمّناً ولا اقتضاءً ـ علی الرخصة فی إتیان کلّ فرد فرد ، وإنّما ذلک حکم العقل .
وثانیاً : ما أفاده قدس سره من قِبل القائلین بالامتناع ، لیس علی ما ینبغی ؛ وذلک لأنّ المحقّق الخراسانی قدس سره من المانعین ، وقد صرّح فی «الکفایة» : «بأنّ المجمع حیث کان واحداً وجوداً وذاتاً ، کان تعلّق الأمر والنهی به محالاً ولو کان تعلّقهما به بعنوانین . . . » فتری أنّه قدس سره ینادی جهاراً بأنّ متعلّق الأمر فی الحقیقة ، عین متعلّق النهی ، فإذن یلزم اجتماع الحکمین المتضادّین فی موضوع واحد ، فما قاله قدس سره أخیراً : من أنّه «تأمّل فیه جیّداً ؛ فإنّه لا یخلو من دقّة ولطافة» لیس فیه شیء منهما ، بل فیه إشکال ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 106 وثالثاً : أنّ حدیث الإطلاق البدلی ساقط من رأسه ، کما أشرنا إلیه إجمالاً ، وسنشیر إلیه مفصّلاً فی باب المطلق والمقیّد ، فارتقب حتّی حین .
ولو کان هنا إطلاق بدلی ، فلا نسلّم کونه دون الإطلاق الشمولی ؛ وأنّ الإطلاق الشمولی أقوی منه . وتقدیم جانب النهی علی القول بالامتناع إذا کانت هناک مندوحة ـ بل علی القول بالجواز عند ذلک ـ إنّما هو لأجل الجمع بین الغرضین ، لا لأقوائیة الشمولیة من البدلیة ، ولذا لو فرض فی مورد أنّ الأمر أقوی ظهوراً من النهی ، فمع ذلک یرجّح جانب النهی ، ولیس ذلک إلاّ لما ذکرنا من أنّه لأجل الجمع بین الغرضین ، فتدبّر .
ورابعاً : أنّ ما أفاده قدس سره فی القسم الثانی ـ من «أنّ الکلام فیه هو الکلام فی القسم السابق» ـ لیس علی ما ینبغی ؛ لأنّه قدس سره صرّح فی تحریر محطّ النزاع خلافاً لصاحب الفصول قدس سره بخروج العموم المطلق عن محطّ النزاع ؛ بدعوی أنّه یلزم من ذلک تعلّق الأمر بعین ما تعلّق به النهی ، وقد عرفت دخول قسم منه فی محطّ النزاع ، والتردّدَ فی دخول قسم آخر منه فی ذلک ، فلاحظ ، فمع ذلک کیف ادّعی قدس سره «أنّ الکلام فیه هو الکلام فی القسم السابق» مع أنّ دخوله فی القسم الثالث أشبه؟!
وخامساً : أنّ التفرقة بین بابی النذر والإجارة ـ من حیث وحدة المتعلّق وتعدّده ـ غیر وجیه ؛ لأنّ وزان باب النذر وزان باب الإجارة ، ومتعلّق النذر والإجارة غیر متعلّق الاستحباب أو الوجوب ؛ فإنّ الوجوب أو الاستحباب تعلّق بعنوان أوّلی للعمل ؛ أعنی ذات الصلاة مثلاً ، والواجب بالنذر هو عنوان «الوفاء بالنذر» کما أنّ الواجب بالإجارة هو «الوفاء بعقد الإجارة» وواضح أنّ هذین
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 107 العنوانین غیر عنوان «الصلاة» الذی تعلّق به الأمر الوجوبی أو الاستحبابی ، ومن الواضح أنّ عنوانی «الوفاء بالنذر» و«الإجارة» ـ مثل سائر العناوین ـ ممّا ینطبق علی الموجود الخارجی والمصداق الصلاتی مثلاً ، فتکون الصلاة الخارجیة مجمعاً للعنوانین ، غایته أنّها مصداق حقیقی للصلاة ، وینطبق علیها عنوان «الوفاء بالنذر» أو «الوفاء بالإجارة» عرضاً .
وبالجملة : هناک عناوین ثلاثة : أوّلها : عنوان «الصلاة» وثانیها : عنوان «الوفاء بالنذر» وثالثها : عنوان «الوفاء بالإجارة» وهذه العناوین مختلفة فی ظرف تعلّق الحکم ، ومجرّد الاتحاد خارجاً لا یضرّ ، کما لم یکد یضرّ تعلّق الأمر بعنوان «الصلاة» والنهی عن عنوان «الغصب» أو «التصرّف فی مال الغیر بغیر رضاه» مع اتحادهما خارجاً ، فعلی هذا من نذر صلاة اللیل ، فلازم الوفاء بالنذر هو إتیان صلاة اللیل بداعی الأمر المتوجّه إلی ذات صلاة اللیل ، أو بوصف کونها مستحبّةً لو کان قصد الوجه ـ من الوجوب أو الاستحباب ـ معتبراً ، وإلاّ فلو أتی بصلاة اللیل بقصد کونها واجبةً لم یکن موفیاً بالنذر .
وکذلک الحال فی الإجارة ، فإنّ مقتضی الوفاء بالإجارة ، هو إتیان العبادة بداعی الأمر المتوجّه إلی المنوب عنه واجباً أو مستحبّاً ، أو بوصف کونها واجبةً أو مستحبّةً علی الغیر ؛ لأنّ ذلک هو متعلّق الأمر الإجاری .
فظهر أنّ التفرقة فی بابی النذر والإجارة ـ من حیث وحدة المتعلّق وتعدّده ـ غیر وجیه ؛ لأنّهما یرتضعان من ثدی واحد .
هذا مضافاً إلی عدم استقامة ما ذکره من التعدّد العنوانی فی باب الإجارة ؛ مدعیاً أنّ الأمر الإجاری یتعلّق بالعمل بوصف کونه واجباً أو مستحبّاً علی الغیر ، کما سنشیر إلیه .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 108 وسادساً : لو فرض أنّ مرکب الأمر الاستحبابی والنذری واحد ، فما معنی الاکتسـاب والتولّـد الذی صرّح بـه قدس سره فی غیر موضع؟! بداهـة أنّ الأمر المتعلّق بعنوان لا یکاد یتجاوزه إلی غیره ، وأنّه إذا ثبتت موضوعیة شیء لحکم لا ینقلب عمّا هو علیه .
ولیت شعری کیف یصیر الواجب التوصّلی تعبّدیاً؟! وکیف یصیر المستحبّ واجباً؟! وهل هذا إلاّ استحسان خیالی لا ینبغی العکوف علیه ممّن هو من الأفاضل ، فضلاً عمّن کان من الأعاظم؟!
وسابعاً : أنّ ما ذکره فی تعلّق الأمر النفسی والغیری بصلاة الظهر ـ بلحاظ أنّ الأمر النفسی متعلّق بذات صلاة الظهر ، والأمر الغیری متعلّق بها بوصف کونها مأموراً بها فی غیر محلّه ؛ لأنّ الأمر النفسی لو کان متعلّقاً بذات صلاة الظهر ، یکون الواجب توصّلیاً یصحّ إتیانه کیف اتفق ، مع أنّه لیس کذلک ، فمتعلّق الأمر النفسی صلاة الظهر بوصف کونها مأموراً بها ، وقد سبق فی محلّه إمکان أخذ قصد القربة أو القربة فی متعلّق الأمر بدلیل واحد ، ولو لم یمکن ذلک بدلیل واحد لأمکن اعتباره بدلیل آخر من إجماع أو غیره بنتیجة التقیید مثلاً ، کما یراه هذا المحقّق ، فاتحد متعلّق الأمر النفسی والأمر المقدّمی علی مبناه .
والحقّ فی المقام أن یقال ـ کما أشرنا إلیه فی بابه ـ : إنّ الواجب مقدّمةً هو عنوان «الموصل» وهو غیر عنوان «الصلاة» فاختلف مرکب الأمر النفسی مع الأمر الغیری .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 109 وبما ذکرنا یظهر عدم استقامة ما أفاده فیما نحن فیه من استحباب ذات الصلاة عند طلوع الشمس وغروبها ، أو ذات الصوم یوم العاشور ، وأنّ الصلاة أو الصوم المتعبّد به مکروه ؛ لأنّ ذات الصلاة أو الصوم لم تکن مأموراً بها واقعاً ، وإلاّ یلزم أن یکونا مستحبّین توصّلیین ، فالمستحبّ هی الصلاة والصوم بقصد التعبّد بهما ، فیتحد الموضوعان ، ولا یعقل أن یکون العمل المستحبّ واقعاً مرجوحاً .
وثامناً : أنّ الضدّین کما یمتنع تواردهما علی موضوع واحد ، کذلک یمتنع عروض أحدهما علی الآخر ، فإذن الوجوب والاستحباب کما لا یکاد یجتمعان فی موضوع واحد ، کذلک لا یعقل أن یکون أحدهما موضوعاً للآخر ، مع أنّه لو سلّم جمیع ما ذکره ، تکون ذات الصلاة عند طلوع الشمس أو الصوم یوم العاشور مستحبةً ، والصلاة عند طلوع الشمس هی مستحبّة مکروهة ، وکذا الصوم یوم العاشور بما هو مستحبّ مکروه ، وهذا لا یجوز ؛ لأنّ لازمه أن یکون موضوع الحکم منافیاً لحکمه .
ثمّ إنّه قدس سره أشار فی ذیل کلامه إلی أنّ النهی عن الصوم یوم العاشور وعن الصلاة عند طلوع الشمس ، بلحاظ التشبّه بأعداء الدین ؛ أی التشبّه ببنی اُمیّة فی صوم یوم العاشور ، والتشبّه بعبدة الأصنام فی الصلاة المبتدئة عند طلوع الشمس وغروبها .
فإن أراد أنّ النهی وإن تعلّق ظاهراً بالصوم والصلاة ، إلاّ أنّه فی الواقع متعلّق بنفس التشبّه ، فلا بأس به ، وهو راجع إلی ما سنذکره قریباً ، إلاّ أنّ إثبات ذلک لا یحتاج إلی التکلّفات التی أتعب بها نفسه الزکیة .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 110