الأمر الأوّل
أنّهم اختلفوا فی أنّها من المسائل العقلیّة أو اللّفظیّة، وعنونها بعضهم: بأنّ الإتیان بالمأمور به علی وجهه هل یقتضی الإجزاء أو لا؟
وبعضهم: بأنّ الأمر هل یدلّ علی الإجزاء إذا اُتی بالمأمور به علی وجهه أو لا؟
وثالث: بأنّه إن عُنوِنت المسألة بالأوّل فعقلیّة، وإن عُنوِنت بالثانی فلفظیّة.
فنقول: لا وجه للبحث فی دلالة الهیئة علیه فقط؛ لما مرّ أنّها موضوعة لمجرّد الإغراء والبعث، ولا فی المادّة فقط؛ لما مرّ من أنّها موضوعة لمجرّد الطبیعة لا بشرط، ولا مجموعهما، وکما أنّه لا دلالة للفظ الأمر علی الفور ولا علی التراخی ولا المرّة والتکرار، کذلک لا یدلّ شیء منها لفظاً علی سقوط الأمر إذا فعل المکلّف المأمور به، وهل تری أن یدلّ الأمر علی ذلک المعنی المفصّل؟!
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 284 والعجب من المحقّق العراقی مع ذهابه إلی أنّ المسألة لفظیّة قال: إنّ اللّفظ یدلّ بالالتزام علی ذلک، فلابدّ أن یرید منه الدلالة الالتزامیة البیِّنة مثل دلالة طلوع الشمس علی وجود النهار کی تندرج فی الدلالات اللفظیّة، وهو کما تری.
وأمّا عنوانها بأنّ الإتیان بالمأمور به علی وجهه... إلی آخره، فنقول ملاحظة هذا العنوان مع الأبحاث المذکورة فی هذه المسألة وخلالها توجب تردّد النزاع بین أن یکون کُبرویّاً غیر قابل للبحث عنه لوضوحه، وبین أن یکون صغرویّاً؛ وذلک لأنّه إن وقع البحث فی أنّ کلاًّ من الأمر الواقعی الأوّلی والواقعی الثانوی ـ أی الاضطراری والأمر الظاهری ـ والعمل علی طبق الأمارات والاُصول هل یقتضی الإجزاء عن أمر نفسه؛ بمعنی سقوط أمر کلّ واحد منها بالعمل علی طبق کلّ واحد؟ فالنزاع فی الجمیع کُبروی واضح غیر قابل لوقوع البحث عنه والنزاع فیه بین الفحول، مع عدم وجود قائل بعدمه.
وإن کان البحث فی أنّ الإتیان بالمأمور به بالأمر الظاهری أو الاضطراری هل یقتضی الإجزاء عن الأمر الواقعی؛ بمعنی سقوطه وعدم وجوب الإتیان بالمأمور به بالأمر الواقعی عند رفع الاضطرار وانکشاف الخلاف فی الوقت أو خارجه؟ فهو وإن کان قابلاً لأن یقع فیه البحث بین الأعلام، لکنّه صُغروی؛ لأنّ مرجعه إلی أنّ الأمر الاضطراری أو الظاهری هل یصحّح موضوع التکلیف فیُجزی عن الواقع أو لا؟
وبعبارة اُخری: مرجع البحث إلی أنّ الأوامر الظاهریّة أو الاضطراریّة هل هی حاکمة علی الأدلّة الواقعیة، أو لا، کما هو مقتضی حجّیّة الأمارات لأجل بناء العقلاء علیها، وهو التحقیق أیضاً؟
والظاهر أنّ عنوان البحث هو ما عنون به القدماء وهو أنّ الإتیان بالمأمور به
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 285 علی وجهه هل یقتضی الإجزاء أو لا؟ غایة الأمر أنّ بعض الأدلّة علیها عقلی، وبعضها لفظی ولا یحتاج إلی عنوان جامع بین العقلی واللّفظی؛ لأنّ الاختلاف فی کیفیّة الاستدلال من حیث إنّ بعض الأدلّة عقلی، وبعضها لفظی، وبالنسبة إلی أنّ الإتیان بکلّ واحد منها مُجزٍ عن أمر نفسه، فالدلیل علیه عقلی، وبالنسبة إلی إجزاء الأمر الظاهری أو الاضطراری عن الأمر الواقعی، فالدلیل علیه لفظی، والاختلاف فی کیفیّة الاستدلال لا ینافی شمول العنوان لکلیهما.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 286