أدلّة الأعمّی ومناقشتها
واستُدلّ للأعمّ بوجوه :
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 174 الأوّل التبادر: وقد عرفت أنّ المتبادر هو خصوص المتلبّس لا الأعمّ، وأنّ دعواه فی المقام فرع وجود الجامع الذاتی أو المقولی بین المتلبّس والمنقضی عنه المبدأ، وهو مفقود.
الثانی : أنّه لا شبهة فی وجوب قطع ید من تلبّس بالسرقة فی زمانٍ سابق؛ لقوله تعالی : «اَلسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا اَیْدِیَهُما»، وحدّ الزانی کذلک لقوله تعالی : «اَلزَّانِیَةُ وَالزَّانِی فَاجْلِدُوا کُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ»، ولا یتمّ دلالتهما علی وجوبهما مع انقضاء التلبّس، إلاّ علی القول بأنّه حقیقة فی الأعمّ؛ إذ علی القول باعتبار التلبّس بالفعل لا یصدق السّارق والزّانی علیهما، ولا تشملهما الآیتان، مع أنّ دلالتهما علیه ممّا لا شبهة فیه تعتری لأحد.
وفیه : أنّه إن اُرید أنّ الموضوع لوجوب الحدّ هو عنوانا «السارق» و «الزانی» ـ المنتزعان عن الذات ـ فهو ممنوع، بل الموضوع له فیهما هو صدور الفعل فی زمانٍ ما.
وبعبارةٍ اُخری : صدور السرقة والزنا بمجرّده علّة تامّة لوجوب القطع والحدّ ولو فی الزمان السابق.
الثالث : أنّه لا ریب فی صدق «مقتول» و «مضروب» ونحوهما علی من وقع علیه القتل والضرب ولو فی الزمان السابق، وهو دلیل علی أنّ المشتقّ حقیقة فی الأعمّ، وإلاّ لم یصدق ذلک علیهما.
ومن هنا التجأ بعض من ذهب إلی أنّه حقیقة فی خصوص المتلبّس بالفعل، إلی
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 175 دعوی خروج اسم المفعول عن حریم النزاع ومحطّ البحث فی هذا الباب.
ولکن لا یخفی ما فیه : إذ لا فرق بین اسمی الفاعل والمفعول فی أنّه کما یمکن صدور الحَدَث من ذات وانقضاؤه، یمکن وقوعه علی الذات وانقضاؤه بحسب العرف واللّغة، ولا سبیل إلی توهّم بقاء القتل والضرب الواقعین علی الذات بعد زمان الوقوع، کما یشهد به العرف واللّغة، فلا مجال لتوهّم خروجه عن مورد البحث.
الرابع : استدلال الإمام علیه السلام فی غیر واحدٍ من الأخبار بعدم صلاحیّة عَبَدة الأصنام والأوثان لمنصب الإمامة والخلافة ولو بعد إسلامهم بقوله تعالی : «لا یَنَالُ عَهْدِی الظّالمینَ» تعریضاً بمَن تصدّی لهما ممّن عبد الأصنام مدّةً مدیدة فی الزمان السابق ولو بعد إسلامهم، وهو إنّما یتمّ علی القول بالأعمّ، وإلاّ فمن المعلوم عدم تلبّسهم بالظلم وعبادة الأصنام حین تصدّیهم للخلافة، فیکشف استدلاله علیه السلام بالآیة عن أنّ المشتقّ حقیقة فی الأعمّ.
وفیه : أنّه إنّما یتمّ لو کان الموضوع والعلّة التامّة لعدم الصلاحیة لتصدّی الخلافة هو صدق عنوان الظالم علیه، ولیس کذلک، بل الموضوع والعلّة التامّة لذلک هو صدور الظلم ولو آناً ما، سواءً کان قابلاً للبقاء کعبادة الصنم، أم لا کدفنهم البنات، فلا یتمّ هذا الاستدلال أیضاً.
وتوضیح الکلام علی وجه یرتفع النقاب عن وجه المرام : هو أنّ الآیة الشریفة فی مقام بیان عِظم قدر الخلافة، وجلالة منصبها، وعلوّ درجتها وشأنها، وعِظم خطر الرئاسة الإلهیّة علی الناس، والسلطة علیهم وعلی أموالهم، وأنها أجلّ المناصب
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 176 الإلهیّة، کما یشهد لذلک سیاق الآیة، وهو قوله تعالی : «وَإِذِ ابْتَلَی إِبْراهِیمَ رَبُّهُ بِکَلِماتٍ فَاَتَمَّهُنَّ قالَ إنِّی جاعِلُکَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّیَّتِی قالَ لا یَنالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ»، وذکر الصدوق قدس سره نحواً من عشرین قضیّة اتّفقت لإبراهیم ابتلاه الله بها، التی من جملتها أمره تعالی بذبح ولده، فإنّ ابتلاء الله تعالی إیّاه لم یکن لأجل الاختبار والامتحان الحقیقی؛ لعلمه تعالی بحاله قبل وجوده ووجود کافّة الممکنات، بل لأجل تکمیله لأجل الصبر وتحمّل الشدائد والمشاقّ وتقویة روحه ونفسه؛ لافتقار الرئاسة علی الناس والخلافة ودعوتهم إلی التوحید والصراط المستقیم إلی ذلک، وإلی عصمته وعدم صدور الظلم منه ولو آناً ما، فصدورُ الظلم وعبادة الأصنام ولو فی الأزمنة السابقة، مانعٌ عن وصول الشخص إلی هذه المرتبة العظمی، التی هی فوق منصب الخلّة ونیلها، ولمّا أراد إبراهیم أن یعرف أنّه هل یوجد من ذرّیّته من یلیق لهذا المنصب؟ قال : «وَمِنْ ذُرِّیَّتِی»، لا لاشتیاقه وحبّه أن یکون ذُرّیّته رؤساء علی الناس؛ لتنزّهه وتنزّه جمیع الأنبیاء عن المقاصد الدنیویّة، بل لمجرّد أن یعرف ذلک ویطّلع علیه، فقال الله : «لا یَنالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ»، ولیس هذا نفیاً لما سأله إبراهیم، بل مفاده أنّ اللاّئق لهذا المنصب هو من لم یصدر منه ظلم أصلاً، وحینئذٍ فالآیة أجنبیّة عمّا نحن فیه.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 177