التنبیه الأوّل : فی حقیقة المفهوم
قال فی «الکفایة» : إنّ المفهوم هو انتفاء سنخ الحکم المُعلَّق علیٰ الشرط عند انتفائه، لا انتفاء شخصه؛ ضرورة انتفائه عقلاً بانتفاء موضوعه ولو ببعض قیوده، ولا یتمشّیٰ القول بأنّ للقضیّة الشرطیّة مفهوماً أو لا، إلاّ فی مقامٍ یمکن ثبوت سنخ الحکم ـ أی الجزاء ـ وانتفاؤه عند انتفاء الشرط، فیقع البحث: فی أنّ لها دلالة علیٰ الانتفاء عند الانتفاء، أو لا.
ومن هنا ظهر : أنّه لیس من المفهوم ودلالة القضیّة علیٰ الانتفاء عند الانتفاء ما توهِّم فی الوصایا والأوقاف والنذور والأیمان؛ لأنّ انتفاءها عن غیر ما هو المتعلَّق لها ـ من الأشخاص بألقابها أو بوصف شیء أو بشرطه المذکورة فی العقد أو مثل العهد ـ لیس من دلالة الشرط أو الوصف أو اللقب علیه، بل لأجل أنّه إذا جُعل شیءٌ وقفاً علیٰ شخص أو اُوصی به له أو نُذِر له.. إلیٰ غیر ذلک، لا یمکن أن یصیر وقفاً علیٰ غیره أو وصیّةً أو نذراً له، وانتفاء شخص الوقف أو النذر أو الوصیّة عن غیر مورد
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 284 المتعلَّق ـ قد عرفت ـ أنّه عقلیّ مطلقاً؛ ولو قیل بعدم المفهوم فی مورد یصلح له.
ثمّ اُورد علیه بما حاصله : أنّ الجزاء المعلَّق علی الشرط إنّما هو الحکم الحاصل بالإنشاء، فالجزاء فی مثل قوله: «إن جاءک زید فأکرمه» هو إیجاب الإکرام، وهو شخصیّ، فغایة قضیّتها هو انتفاء ذلک الحکم الخاصّ بإنشائه بانتفاء الشرط.
وأجاب عن ذلک بما حاصله : أنّ الإشکال إنّما یرد لو قلنا : إنّ الموضوع له فی الهیئات خاصّ، وأمّا بناءً علیٰ ما حقّقناه من عموم الموضوع له فیها کوضعها، وأمّا الشخص والخصوصیّات الناشئة من قِبَل استعمالها فیه لا تکاد تکون من خصوصیّات معناها المستعملة فیه، فلا یرد الإشکال المذکور؛ لأنّ الجزاء هو طبیعةُ إیجاب الإکرام فی المثال وکلِّیُّهُ، لا شخص خاصّ منه. انتهیٰ ملخّص کلامه.
أقول : هذا الجواب مبنیّ علیٰ ما ذکره من عموم الموضوع له فی الحروف، وأمّا بناءً علیٰ أنّ الموضوع له فیها خاصّ ـ کما اخترناه ـ فلایندفع الإشکال بما ذکره.
والتحقیق فی الجواب ـ بناءً علیٰ ما اخترناه ـ : هو أنّه وإن کان المعلَّق علی الشرط فی المثال هو إیجاب الإکرام ـ الذی هو مدلول قوله: «فأکرمه» بحسب الظاهر ـ لکن لا إشکال فی أنّ المتبادِر من القضیّة الشرطیّة فی المثال عرفاً، هو أنّ المرتبط بالشرط هو طبیعة الإکرام، لا إیجاب الإکرام، فالمناسبة إنّما هی بین تحقُّق الشرط وتحقّق الجزاء، لا بین الشرط والإیجاب، وإلاّ فلِمَ لا یتعلّق إیجاب الصلاة مثلاً بالشرط المذکور، ولا بینه وبین إیجاب الإکرام معاً وذلک واضح، وأمّا الإیجاب الذی هو مدلول الهیئة فهو آلة ووسیلة إلیٰ بیان ذلک.
والحاصل : أنّه بناءً علیٰ ثبوت المفهوم للقضیّة الشرطیّة، وانحصار علّیّة الشرط فیها بذکر ما یدلّ علیها، وهو کلمة «إنْ» الشرطیّة، أنّ الآمر ـ حیث إنّه رأیٰ أنّ بین طبیعة المجیء وطبیعة الجزاء ارتباط ومناسبة ـ تعلّقت إرادته ببعث المکلّف الی
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 285 تحصیل الجزاء، وهو الإکرام عند تحقُّق الشرط؛ بإیجاب ذلک علیه عنده، وإلاّ فلولا المناسبة بینهما لزم الجزافُ فی الأمر بالجزاء، وإرادتُهُ بلا مناسبة وملاک، فمنشأ الأمر والإبجاب هو وجود تلک المناسبة بینهما، وهذا معنیٰ أنّ الواجبات الشرعیّة ألطافٌ فی الواجبات العقلیّة، وهذا الذی ذکرناه قد أشار إلیه الشیخ قدس سره فی «کتاب الطهارة»، فلا یرد علیه ـ حینئذٍ ـ الإشکال المذکور.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 286