الفصل الأوّل فی متعلَّق النهی
هل النهی مثل الأمر فی الدلالة علی الطلب بمادّته وهیئته، وأنّ الفرق بینهما إنّما هو فی المتعلّق، وأنّ متعلّق الأمر هو الوجود ومتعلّق النهی هو العدم، أو أنّه لا فرق بینهما فی المُتعلّق، وأنّه الوجود فیهما، والفرق فی أنفسهما ؟
وجهان : اختار أوّلهما فی «الکفایة»، لکن لابدّ من بیان أنّ الفرض الأوّل هل هو متصوّر عقلاً أو لا؟
فنقول : لا ریب فی أنّ الطلب مسبوق بمقدّمات الإرادة من التصوّر والتصدیق بأنّ المطلوب ذو مصلحة فی الأمر ومفسدة فی النهی، والاشتیاق إلیه فی بعض الأوقات لتتعلّق به الإرادة والبعث إلیه، وهذه کلّها غیر متصوّرة فی العدم لا عقلاً ولا عرفاً، فإنّ العدم المطلق منه والمضاف لیس شیء یوجد فیه المصلحة أو المفسدة، أو یشتاق إلیه أو یراد ویبعث نحوه، وأیضاً قولُنا: العدم ذو مصلحة أو مشتاق إلیه أو مراد، قضیّةٌ موجبة لابدّ لها من وجود الموضوع، فلا یصحّ جعل العدم موضوعاً لها.
وبالجملة : توهُّم أنّ العدم متعلَّق للطلب فی النواهی والبعث وغیرهما غیر معقول.
وأمّا بملاحظة العرف فالأمر مرکّب من مادّة وهیئة فهو بمادّته یدلّ علیٰ نفس
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 195 الطبیعة وبهیئته یدلّ علیٰ البعث والإغراء إلیها، وأمّا النهی، مثل «لا تضرب» فمادّته هی مادّة الأمر مثل «إضرب»، تدلّ علیٰ طبیعة الضرب مع زیادة کلمة «لا»، ولیس فیه ما یدلّ علیٰ الطلب، بل هیئته تدلّ علیٰ الزجر عن الوجود.
وبالجملة : کلّ واحد من الأمر والنهی متعلِّق بالوجود، ولا فرق بینهما فی ذلک، وإنّما الفرق بینهما فی أنفسهما، وأنّ الأمر هو طلب الوجود، والنهی زجر عن الوجود، وذلک هو مُقتضیٰ العقل والعرف.
ثمّ إنّه لا وجه للنزاع والبحث فی أنّ النهی عبارة عن طلب الکفّ عن الفعل، أو نفس أن لا تفعل، سواء قلنا بأنّ النهی هو طلب العدم، أم قلنا بأنّه زجر عن الوجود:
أمّا علیٰ الثانی فواضح؛ لأنّه لا طلب حتّیٰ یتوهّم أنّه طلب للکفّ، أو نفس أن لا یفعل.
وأمّا علیٰ الأوّل ـ الذی اختاره فی الکفایة ـ فهو ـ أیضاً ـ کذلک؛ لأنّه ـ حینئذٍ ـ وإن کان طلباً، لکن مُتعلّقه العدم لا الوجود.
ثمّ إنّ ما ذکره فی «الکفایة» من أنّ الترک ـ أیضاً ـ مقدور، وإلاّ لما کان الفعل مقدوراً ـ أیضاً ـ فإنَّ القدرة بالنسبة إلیٰ طرفی الوجود والعدم علیٰ حدٍّ سواء، وأنّها ذات إضافة إلیٰ طرفی الوجود والعدم، کما فُصّل ذلک فی الکتب الحَکَمیّة، فإن أراد بذلک أنّ للمکلّف إضافة إلیٰ وجود الأفعال الاختیاریّة وعدمها؛ سواء اُرید بها الإضافة الإشراقیّة، أو الإضافة المقولیّة، فلا معنیٰ له، فإنّ الإضافة تحتاج إلیٰ المتضایفین، ولا یمکن تحقُّقها مع أحد المُتضایفین فقط، وإن اُرید بذلک أنّ المکلّف قادر علیٰ إیجاد الفعل فی المستقبل، فهو صحیح .
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 196