الفصل الثالث عشر فی اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه
الأمر بالشیء هل یقتضی النهی عن ضدّه أو لا؟ وقبل الخوض فی البحث لابدّ من تقدیم أمرین :
الأمر الأوّل : أنّهم جعلوا هذه المسألة من المسائل الاُصولیّة العقلیّة منها لا اللفظیّة؛ لأنّ المناط فی المسألة الاُصولیة هو أن تقع نتیجتها کبریٰ القیاس فی استنباط الحکم الشرعیّ الفرعیّ، وهی کذلک، فإنّه لو فرض أنّ الضدّ من العبادات، فبناءً علی إثبات الاقتضاء تصیر العبادة منهیّاً عنها ومحرّمة فتفسد، دون ما إذا لم نقل بالاقتضاء.
لکن قد عرفت : أنّه لا فرق بین کثیر من المسائل الاُصولیّة وبین البحث عن «الصعید» ـ مثلاً ـ فی أنّه موضوع لأیّ شیءٍ، فی دخله ووقوعه فی طریق الاستنباط، وإنّما ذکروا هذه المسألة وکثیراً من المباحث اللغویة ـ کالبحث عن دلالة الأمر علیٰ الوجوب، وبحث المرّة والتکرار، ونحوهما ـ فی الاُصول وتعرّضوا لها فیه؛ لکثرة
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 103 دورانها فی جمیع أبواب الفقه، والاحتیاج إلیها فیه، وإلاّ فهی من المباحث اللغویة، یبحث فیها عمّا هو مدلول اللفظ لغةً وعرفاً لا غیر، وإلاّ فلیست هی من المسائل الاُصولیّة.
الأمر الثانی : أنّهم ذکروا: أنَّ المُراد بالاقتضاء فی عنوان المسألة لیس هو معناه اللُّغویّ؛ لأنّه لا تأثیر وتأثّر فی المقام، بل المراد به ما هو الأعمّ من العینیّة والجزئیّة واللزوم اللفظی؛ من جهة التلازم بین طلب أحد الضدّین وطلب ترک الآخر، أو من جهة المقدّمیّة؛ لیشمل جمیع الوجوه والأقوال المذکورة فی المسألة.
وفیه ما لا یخفیٰ :
أمّا أوّلاً : فلأنّ ذلک یُنافی عدّهم هذه المسألة من المسائل الاُصولیّة العقلیّة، فإنّ دلالة المطابقة ـ کما هو مُقتضیٰ دعویٰ العینیّة، وکذلک التضمّن والالتزام بناءً علیٰ مذهبهم ـ من الدلالات اللفظیّة، فکیف یمکن التوفیق بین عدّ هذه المسألة من المسائل العقلیّة وبین تفسیر الاقتضاء بهذا المعنیٰ الأعمّ من الدلالات الثلاث؟!
وأمّا ثانیاً : فإطلاق لفظ الاقتضاء بالمعنیٰ المذکور فی عنوان المسألة غلط، ولیس مجازاً؛ لأنّه یعتبر فی المجاز واستعمال اللفظ فی غیر ما وضع له من المناسبة والعلاقة بینه وبین المعنیٰ الموضوع له، وهی فیه منتفیة، مضافاً إلیٰ أنّه لا جامع بین المعانی المذکورة یُستعمل لفظ الاقتضاء فیه، فالأولیٰ إسقاط لفظ الاقتضاء فی العنوان؛ لعدم الاحتیاج إلیه، بل هو مُخلٌّ بالمقصود، ویقال فی عنوان البحث: الأمر بالشیء هل یستلزم النهی عن ضدّه أو لا ؟ کما سیظهر.
والاستلزام ـ أیضاً ـ إمّا من جهة المقدّمیّة، کما هو العمدة فی المقام، فإنّ الحقّ أنّ هذه المسألة من شُعب مسألة مقدّمة الواجب، وإمّا لأجل التلازم بین إرادة طلب الشیء وبین إرادة طلب ترکه، أو بین البعث إلیٰ الشیء وبین الزجر عن ضدّه.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 104 إذا عرفت ذلک نقول : هل الأمر بالشیء یستلزم النهی عن ضدّه مطلقاً، أو لا یستلزم النهی عن ضدّه مطلقاً، أو التفصیل بین الضدّ العامّ وبین الضدّ الخاصّ؛ بالاستلزام فی الأوّل دون الثانی؟
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 105