الثالث من الاُمور : المقدمة الداخلیة والخارجیة
أنّ المقدّمة علیٰ قسمین : داخلیّة وخارجیّة، والخارجیّة ـ أیضاً ـ علیٰ أقسام، والمقدّمة الداخلیّة عبارة عن أجزاء المرکّب المأمور به، کأجزاء الصلاة، والخارجیّة عبارة عمّا هو خارج عن المأمور به، لکنّه یتوقّف علیه بحسب الوجود، وحینئذٍ فهل القسمان کلاهما محطّ البحث، أو یختصّ البحث بالمقدّمات الخارجیّة مطلقاً، أو بعض أقسامها؟
فنقول : قد استشکل فی القسم الأوّل بأنّ المقدّمة عبارة عمّا یتوقّف علیه ذو المقدّمة، فلابدّ وأن تکون متقدّمة ـ ولو بحسب الرتبة ـ علیٰ ذی المقدّمة، والمقدّمات الداخلیّة ـ الّتی هی أجزاء المرکّب ـ لیست کذلک؛ لأنّه یلزم تقدّم الشیء علیٰ نفسه؛ لأنّ الکلّ عین الأجزاء بالأسر.
وأجاب عنه فی «الکفایة» بما حاصله : أنّ الأجزاء بالأسر لا بشرط هی المقدّمة، وهی بشرط الاجتماع ذو المقدّمة، ففرق بینهما ولو بالاعتبار، نظیر الفرق بین المادّة والصورة وبین الجنس والفصل، فإنّ الفرق بینهما کذلک اعتباریّ.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 10 واُورد علیه أنّ غایة ما ذکره قدس سره أنّ الفرق بینهما هو بالاعتبار، فیلزم أن یکون مقدّمیّة المقدّمة اعتباریّة لا حقیقیّة، مع أنّه لاریب فی أنّ مقدّمیّة المقدّمة وتقدّمها حقیقیّة لا اعتباریّة، وأیضاً یلزم ممّا ذکره أن یتعلّق إرادتان بشیء واحد حقیقةً، وهو اجتماع المثلین، وهو مستحیل، أو لغویّة إحدی الإرادتین، وهی ـ أیضاً ـ محال بالنسبة إلیٰ الحکیم.
أقول : المرکّبات علیٰ أقسام :
منها المرکّبات الحقیقیّة: وهی فیما إذا التأمت الأجزاء بحیث صار المجموع طبیعة ثالثة، کالإنسان المرکّب من الجنس والفصل، فإنّهما من الأجزاء التحلیلیّة، وهذا القسم من الموجودات التکوینیّة لایمکن أن یتعلّق به البعث لعدم قدرة المکلف علیٰ إیجادها.
ومنها المرکّبات الاعتباریّة: وهی ـ أیضاً ـ علیٰ قسمین :
منها : ما لمجموعها وهیئة أجزائها اسم خاصّ عرفاً، مثل المسجد الذی هو مرکّب من أجزاء مختلفة ملتئمة؛ بحیث یعدّ المجموع مسجداً لا الأجزاء، وهو واحد عرفاً، لا بالدقّة العقلیّة.
ومنها : ما لیس کذلک، ولیس مجموع أجزائها شیئاً واحداً عرفاً، مثل الفوج والعسکر المرکّب من مائة فرد ـ مثلاً ـ فإنّها مائةٌ آحادٌ، ولیست ملتئمة کما فی القسم الأوّل منهما ومع ذلک فرق بین مائةٍ آحادٍ وبین المائة الواحدة، فتعتبر الوحدة فی الثانی دون الأوّل.
إذا عرفت هذا فلابدّ من ملاحظة الإرادةِ الفاعلیّة فیما لو اُرید إیجاد مرکّب من المرکّبات، وکیفیّةِ تعلُّق الإرادة بالأجزاء والکلّ؛ کی تتفرّع علیها الإرادة التشریعیّة.
فنقول: الداعی إلیٰ إرادة بناء المسجد نفس المسجد لما فیه من المصالح، فیریده
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 11 البانی. ثمّ إنّه لمّا رأیٰ أنّ بناءه یتوقّف علیٰ تحصیل اللبن والآجر ـ مثلاً ـ فیرید تحصیلها لذلک، فإرادة بناء المسجد سبب لهذه الإرادة، فلا فرق بین الإرادتین إلاّ فی أنّ الاُولیٰ نفسیّة والثانیة غیریّة، ثمّ لو تعدّدت المقدّمات تعدّدت إراداتها أیضاً، ولو اتّحدت تتّحد.
فیظهر ممّا ذکرنا ما فی قول بعض الأعاظم : من أنّ إرادة ذی المقدّمة منبسطة علیٰ المقدّمات، وأنّه لیس هنا إلاّ إرادة واحدة منبسطة؛ وذلک لشهادة الوجدان علیٰ خلافه، وأنّ هنا إرادتین أو إرادات.
والحاصل : أنّه لا فرق بین المقدّمات الداخلیة والخارجیّة فی أنّ لکلّ واحد منها إرادة مستقلّة، وأنّ تعدّد الإرادة مستلزم لتعدّد المراد وبالعکس، مضافاً إلیٰ قیام البرهان علیٰ ذلک.
توضیحه : أنّ الإرادة من ذوات الإضافة، ولها إضافة إلیٰ النفس، وبدونها لایمکن تحقّقها،ثمّ إنّها تحتاج إلی المراد؛ لأنّها نظیر الحبّ والشوق، فکما أنّ تحقّقهما فی الخارج یتوقّف علیٰ ما یتعلّق به الحبّ والشوق، کذلک تحقّق الإرادة یحتاج إلیٰ المراد، ثمّ إنّ الإرادة تابعة للمراد وحدةً وتعدّداً وبالعکس، فالإرادة الواحدة تستلزم مراداً واحداً، وتعدّدها مستلزم لتعدّده وبالعکس، ولا یمکن تعلُّق إرادتین بمراد واحد، ولا إرادة واحدة بمرادین، فإذا کان هناک مرکّب معجون له مصلحة واحدة تتعلّق به إرادة واحدة لإیجاده، فلمّا رأیٰ أنّ إیجاده متوقّف علیٰ إیجاد کلّ واحد من أجزائه یتعلّق بکلّ واحد منها إرادة مستقلّة غیریّة؛ لأنّ المجموع من الأجزاء مغایر لکلّ واحدٍ من الأجزاء، ولهذا یمکن أن یتحقّق فی الکلّ مصلحة لا توجد فی کلّ واحد من الأجزاء، ویتوقّف إیجاد الکلّ علیٰ إیجاد کلّ واحد من أجزائه، فیتعلّق بالکلّ إرادة نفسیّة، وبکلّ واحد من الأجزاء إرادة غیریّة، ومقتضیٰ استلزام تعدُّد الإرادة لتعدّد المراد، هو
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 12 مغایرة کل واحد من الأجزاء للکلّ حقیقةً، وهو المطلوب.
وبالجملة : هنا ملاکان للإرادة : أحدهما فی المجموع، وهو ملاک الإرادة النفسیّة، وثانیهما فی کلّ واحد من أجزاء الکلّ، وهو ملاک الإرادة الغیریّة، وهذه الإرادة إنّما هی فی کلّ واحد واحد من الأجزاء، لا الأجزاء بالأسر، فإنّ الأجزاء بالأسر عین الکلّ، ووجود الکلّ یتوقّف علیٰ وجود مجموعها، مضافاً إلیٰ کلّ واحدة.
ولا فرق فیما ذکرنا بین الإرادة الفاعلیة وبین التشریعیّة، ولا بین المقدّمات الداخلیّة وبین الخارجیّة، فمحطّ البحث هو کلتاهما، فیبحث فی الداخلیّة فی أنّ إرادة ذی المقدّمة المرکّبة هل تستتبع إرادة اُخریٰ متعلّقة بالأجزاء أو لا، بل یکفی إرادة ذی المقدّمة؟
وممّا ذکرنا یظهر ما فی «الکفایة» من خروج المقدّمات الداخلیّة عن محلّ النزاع، مستدلاًّ بأنّه لو تعلّق بها إرادة مستقلّة یلزم اجتماع المِثلین؛ لأنّ الأجزاء عین الکلّ حقیقةً، وإنّما الفرق بینهما بالاعتبار.
وذلک لأنّا لا نُسلّم أنّ الإرادة مع الإرادة وکذا البعث مع البعث من قبیل المتماثلین،وعلیٰ فرض التسلیم فاستحالة اجتماع المثلین إنّما هی فی الموضوع الواحد، والموضوع للإرادتین فیما نحن فیه متعدّد؛ لما عرفت من أنّ کلّ واحد من الأجزاء مغایر للکلّ.
وقال المحقّق العراقی قدس سره فی المقام ما حاصله : إنّ المرکّبات الغیر الحقیقیّة علیٰ قسمین: أحدهما ما یعتبر الوحدة فیه قبل تعلّق الإرادة، وثانیهما ما لیس کذلک، بل الوحدة تتحقّق من قِبَل الإرادة وبعدها.
ومحلّ البحث هو القسم الأوّل لا الثانی؛ لأنّ الکلّیّة فی القسم الثانی إنّما جاءت من قِبَل الإرادة، وقَبْلَها لیس کلٌّ ولا جزء، فلا معنیٰ لدعویٰ الملازمة بینهما کما
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 13 لا یخفیٰ.
أقول : لا إشکال فی أنّه لیس المراد من الوحدة مفهومها بل مصداقها، وحینئذٍ فإذا فرض مجموع آحاد له مصلحة لیست هی فی کلّ واحد واحد من الأجزاء، کفتح البلاد فی العسکر، فلا یعقل تعلّق الإرادة به بدون اعتبار الوحدة؛ لما عرفت من أنّه لیس المراد مفهومها بل مصداقها، وتقدّم الجزء علیٰ الکلّ إنّما هو فی مرتبة الذات وفی الوجود، وإلاّ فعنوانا الکلیّة والجزئیّة من المتضایفین ولا یعقل تقدّم أحد المتضایفین علیٰ الآخر نظیر العلّة والمعلول، فإنّ عنوانیهما من المتضایفین، والمتضایفان متکافئان فعلاً وقوّةً، مع أنّ ذات العلّة ومصداقها متقدّمة علی المعلول، فملاک البحث لیس عنوان الکلّیّة والجزئیّة کی یرد علیه ما ذکره قدس سره بل الملاک هو التوقّف بحسب الوجود، ولا فرق فی ذلک بین القسمین من المقدّمات .
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 14