القول فی الأسباب الشرعیة
وأمّا الأسباب الشرعیة فقد یقال: بجریان البراءة الشرعیة فی الأسباب الشرعیة فلابدّ أوّلاً من الإشارة الإجمالیة إلی کیفیة جعل الأسباب والمحصّلات الشرعیة حتّی یظهر جریان البراءة الشرعیة وعدمها فیها، تفصیلها یطلب من مباحث الاستصحاب فنقول: إنّ السببیة والمسبّبیة فی الشرعیات والاُمور الاعتباریة العقلائیة لیست بمعنی کون الأسباب مؤثّرات حقیقة فی المسبّبات بحیث لم
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 322 یکن المسبّب قبل تحقّق السبب موجوداً فی عالم التکوین وبعد تحقّق السبب یوجد المسبّب حقیقة فی الخارج وهذا واضح.
وکذا لیست أیضاً بمعنی تأثیر الأسباب فی إیجاد المسبّبات فی عالم الاعتبار ـ لا فی اعتبار العقلاء ولا فی اعتبار الموجد للسبب ـ لأنّ اعتبار العقلاء أمر قائم بأنفسهم وله أسباب خاصّة ولیس إنشاء المنشئ للسبب مؤثّراً وعلّة موحدة لاعتبار العقلاء ولا فی اعتبار نفسه؛ فإنّ لاعتبار العقلاء والمعتبر أسباباً خاصّة من قبیل مبادئ الإرادة ولیس وراء وجود الحقیقی والاعتباری شیء آخر یؤثّر السبب فیه نحو تأثیر الأسباب فی المسبّبات بل معنی السببیة والمسبّبیة العقلائیة أنّ الأسباب تکون موضوعات لاعتبار العقلاء، فإذا قال الرجل: بعت داری من زید بکذا... بما له من المعنی الإنشائی أی بداعی الجدّ یصیر موضوعاً لاعتبار العقلاء فإنّ الدار التی کانت مضافة إلی البائع قبل إنشائه بالإضافة الاعتباریة صارت مضافة إلی زید بواسطة بیعه له، فالبائع إذا علم اعتبار العقلاء عقیب إنشائه الجدّی للبیع، ویؤیّد بیع داره لزید یستعمل الصیغة ویرید تحقّق المعنی الاعتباری، فیکون موضوعاً لاعتبار نفسه وسائر العقلاء.
وبالجملة: إذا استعمل لفظ موضوع للإنشاء بداعی تحقّق المنشأ یصیر اللفظ بما له من المعنی موضوعاً للاعتبار المذکور من غیر أن یصیر اللفظ علّة لتحقّق الاعتبار ولا لتحقّق شیء آخر.
إذا تمهّد لک ما ذکرنا نقول: إنّ المجعولات الشرعیة فی باب الأسباب والمسبّبات لیست علی وتیرة واحدة:
فتارة یکون إمضاء للسبب والمسبّب العقلائی وسببیتهما للمسبّب الاعتباری
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 323 ولم یتصرّف فیه إلا تصرّفاً طفیفاً من زیادة جزء أو شرط.
واُخری یکون سلب السببیة عن الأسباب العقلائیة وحصر السببیة فی سبب واحد کما فی باب الطلاق، فإنّ الطلاق ـ بمعنی الهجران عن الزوجة ـ والزوجیة أمر عقلائی کسائر الاُمور العقلائیة متعارف عند العقلاء فی کلّ ملّة منتحلة بدین وغیره ولم یتصرّف الشارع فی تلک الحقیقة العقلائیة وإنّما تصرّف الشارع فی سببها وسلب السببیة عن الأسباب المتعارفة العقلائیة وردعهم عن ترتیب الآثار علی تلک الأسباب، وحصر السببیة علی لفظة خاصّة أعنی: «هی طالق» فاعتبر السببیة الاعتباریة لتلک اللفظة دون غیرها.
وبالجملة: خلع سائر الأسباب عن السببیة من غیر تصرّف فی المسبّب وحصر السببیة علی لفظة خاصّة وهی: «هی طالق».
وثالثة: یکون بسط دائرة السببیة والسبب ممّا لیس له منه بین العقلاء عین ولا أثر، کما فی باب الضمان فقد بسط الشارع دائرة الضمان، بحیث یحصل الضمان بمجرّد وضع الید المستفادة من قاعدة الید ممّا لیس منه بین العقلاء عین ولا أثر.
ورابعة: یکون المسبّب من المخترعات المحضة التی لیس لها سابقة عند العقلاء کالظهار إذا قال الزوج لزوجته: ظهرکِ کظهر اُمّی، حیث جعله الشارع سبباً لحرمة زوجته ولم یکن له سابقة عند العقلاء.
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 324