خاتمة : فی احتمالات موافقة الکتاب ومخالفة العامّة
ثمّ إنّ فی المقام احتمالات بحسب مقام التصوّر :
الأوّل : أنّهما من المرجّحات السندیّة.
الثانی : أنّهما من المرجّحات الجهتیّة.
الثالث : أن تختصّ موافقة الکتاب بالمرجّحات السندیّة، ومخالفة العامّة بالجهتیّة.
الرابع : عدم اختصاص واحدة منها بهذه ولا بتلک، بل تصلح کلّ واحدة منهما لکلّ واحدة منهما؛ لأنّه إن کان السرّ الحکم بالترجیح بهما: هو عدم صدور بعض الأخبار منهم علیهم السلام، ودسّ المنافقین له فی أخبارهم علیهم السلاموأنّ الأمر بالأخذ بموافق الکتاب ومخالف العامّة انّما هو لأجل ذلک، فهما من المرجّحات الصدوریّة.
وإن کان السرّ فیه صدور بعض الروایات منهم تقیّة واحتشاماً وخوفاً من بعض الخلفاء، فهما من المرجّحات الجهتیّة، کالمسح علی الخُفّین ونحوه، فإنّ الروایة المخالفة للکتاب صادرة منهم حینئذٍ، لکن لا لبیان الحکم الواقعی، بل تقیّة.
وإن کانت العلّة هما معاً ـ أی صدور بعض الأخبار تقیّة ودسّ المنافقین لبعضها الآخر ـ فلا تختصّ واحدة منهما بواحد منهما، بل یحتمل کلّ واحدة منهما لکلّ واحد منهما، فیمکن أن یقال: إنّ الأمر بطرح المخالف للکتاب أو موافق العامّة بسبب
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 578 کلّ واحدة من الجهتین أو معاً.
وکذلک الشهرة لو قلنا بأنّها من المرجّحات أیضاً، أو سائر المرجّحات مثل الأصدقیّة والأوثقیّة وغیرهما، فإنّ هذه الاحتمالات آتیة فیها أیضاً، فإنّهم علیهم السلام ربّما کانوا یبیّنون الأحکام الواقعیة للأعدل والأوثق والأصدق؛ لکمال وثوقهم واطمئنانهم علیهم السلام بهم فی عدم إبرازهم وإظهارهم لها للمنافقین وعدم إشاعتها، بخلاف غیر الأوثق والأعدل ونحوهما.
وبالجملة : کلّ مرجّح یمکن أن یرجع إلی الصدور أو إلی جهة الصدور أو لهما معاً.
هذا بحسب مقام التصوّر والثبوت.
وأمّا بحسب مقام الإثبات والاستظهار، فلا یبعد دعوی ظهور الأخبار فی أنّ موافقة الکتاب من مرجّحات الصدور ـ کروایتی الحسن بن الجهم المتقدّمتین ـ لقوله علیه السلام: (فإنّ أشبههما فهو منّا، وإن لم یُشبهْهُما فلیس منّا)، فإنّه ظاهر فی عدم صدور المخالف للکتاب عنهم أصلاً، لا أنّه صدر منهم تقیّة.
کما أنّ روایات الترجیح بمخالفة العامّة وترک ما یوافقهم، لیس فیها ـ فی نفسها ـ إشعار بأنّها من مرجِّحات الصدور، أو من مرجِّحات جهة الصدور، نعم یمکن أن یقال: بدلالة بعض الأخبار علی أنّها من مرجِّحات الصدور، وهی الدالّة علی أنّ المنافقین دسُّوا فی أخبارهم علیهم السلام أخباراً مکذوبة.
ویمکن أن یقال أیضاً : إنّها من مرجّحات جهة الصدور؛ لأجل أنّه کثیراً ما تصدر الأخبار منهم علیهم السلام تقیّة، ولایبعد ترجیح هذا الوجه علی الأوّل.
وأمّا الکلام فی تعارض المرجّحات نفسها : فإن قلنا بانحصار الترجیح بموافقة الکتاب ومخالفة العامّة، فلا إشکال فی تقدیم الترجیح بموافقة الکتاب علی الترجیح بمخالفة العامّة؛ لدلالة مُصحَّحة عبد الرحمن المتقدّمة.
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 579 وإن قلنا بعدم انحصاره بهما، کما هو قضیّة دوران الأمر بین التعیین والتخییر کما تقدّم، وقلنا: إنّ مستند التخییر لیس هو الأخبار، فالمناط هو الأقربیّة إلی الواقع.
وإنّما الکلام فیما ذکره بعض الأعاظم ـ المیرزا النائینی قدس سره ـ أنّ المرجِّح الصدوری ـ کالأعدلیّة والأصدقیّة ـ مقدّم علی المرجِّح الجهتی والمضمونی، والمرجِّح الجهتی مقدّم علی المضمونی، ثمّ المضمونی، کموافقة الکتاب.
فیه : أنّ مستنده فی ذلک : إمّا بناء العقلاء علی ذلک، وأنّ بناءهم علی التعبّد بالصدور وإن لم تتمّ جهة الصدور ولم تثبت، فهو ممنوع؛ لأنّ بناءهم دائر بین العمل بخبر الواحد وعدم العمل به، فإن ثبت تمام جهات الخبر لهم ـ من الصدور وجهة الصدور ـ فبناؤهم علی العمل به، وإلاّ فلیس لهم بناء علی العمل به، ولیس لهم فی مورد من الموارد بناء علی التعبّد بالصدور، ثمّ الحمل علی التقیّة، فلیس لهم بناء علی العمل بالخبر الذی لا ظاهر له.
ثمّ إنّه لو فرض الترتیب بین التعبّد بالصدور، ثمّ بالمضمون؛ فی غیر صورة تعارض الخبرین، فلابدّ فی المتعارضین من ملاحظة أدلّة المرجّحات، فإنّ المتّبع هو الدلیل.
والعجب أنّه قدس سره اعترف: بأنّه ورد فی مُصحَّحة عبد الرحمن بن أبی عبدالله تقدیم الترجیح بموافقة الکتاب، مع أنّها مرجّحة مضمونیّة علی مخالفة العامّة، مع أنّها مرجّحة جهتیّة، لکنّه قال: إنّ العمل بها مشکل.
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 580 ولیت شعری ما الإشکال فی العمل بها مع صحّتها عنده.
نعم بناءً علی عدّ المقبولة من أخبار الترجیح فی تعارض الخبرین، فهی ظاهرة فی الترتیب الذی ذکره، لکن ذکر فیها موافقة الکتاب ومخالفة العامّة فی رتبة واحدة.
وکیف کان ، فالحقّ : هو الترجیح أوّلاً بموافقة الکتاب، ثمّ بمخالفة العامّة، ثم التخییر، والأحوط الترجیح بکلّ مزیّة بعدهما.
هذا آخر الکلام والبحث فی تعارض الخبرین.
والحمد لله أوّلاً وآخراً، وصلّی الله علی نبیّه محمّد وآله الطاهرین.
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 581
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 582