وظیفة المقلّد مع تبدّل رأی مجتهده
وأمّا وظیفة مقلّدیه ، فمقتضی القاعدة فیه عدم الإجزاء مطلقاً فإنّ المجتهد سواء کان مدرکه الأمارة أو القطع أو الأصل الجاری فی الشبهة الحکمیة کالاستصحاب والقاعدة ، بناءً علی جریانهما فیها ، فمدرک المقلّد لیس إلاّ فتوی المجتهد وقوله ، وهو أمارة له علی الواقع ولا موضوعیة لفتوی المجتهد عند العقلاء ، بل هو طریق محض . وقد عرفت : أنّ مقتضی الأصل فی الطریق إذا تخلّف عدم الإجزاء وإن ثبت تخلّفه بطریق آخر لا بالقطع .
فإن قلت : الأصل وظیفة عملیة لکلّ من المجتهد والمقلّد فإذا کان مدرک فتوی المجتهد الأصل العملی فقوله وفتواه طریق للمقلّد إلی الوظیفة العملیة والفرض تحقّق الوظیفة . غایة الأمر : نیابة المجتهد فی الشکّ والفحص ، فمقتضی ذلک هو الإجزاء .
قلت : لم یؤخذ فی موضوع الاُصول عنوان المجتهد والمقلّد ، بل الذی هو تمام الموضوع للأصل هو الشاکّ فی الحکم الشرعی بما هو شاکِّ.
غایة الأمر : توقّف إجرائه علی الفحص والیأس عن الدلیل فللمجتهد إجراء الأصل بنفسه وله أیضاً أن یتفحّص وبعد الیأس عن الدلیل یقلّد عنه المقلّد فی حکمه بعدم الدلیل فیجری المقلّد بنفسه الأصل ، ولکنّه فیما إذا کان هذا المقلّد ملتفتاً إلی الحکم الواقعی وشاکّاً فیه حتّی یدخل فی عنوان موضوع الأصل ،
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 481 والأغلب عدم التفات المقلّد إلی ذلک فلا یکون داخلاً تحت عنوان موضوع الأصل فلا یکون الأصل وظیفة ظاهریة له ، بل لخصوص المجتهد والنیابة فی الشکّ لا معنی له إذ الفرض کونه موضوعاً .
فإن قلت : فعلی هذا کیف یقلّد المقلّد ویتابع فتوی المجتهد المستند إلیه مع عدم کونه بنفسه داخلاً تحت عنوان موضوع الأصل ؟
قلت : لا یکون المقلّد شاکّاً ولکنّ المجتهد إنّما یشکّ فی الحکم الکلّی الالهی الثابت لعامّة الناس أو لخصوص صنف خاصّ کأحکام النسوان ، فإذا شکّ فی هذا الحکم الکلّی الثابت بنحو القضیّة الحقیقیة یستصحب تحقّق هذا الحکم الکلّی مثلاً ویفتی علی طبقه ، إذ الإفتاء عمل له متوقّف علی الحجّة الشرعیة علی الحکم ، فإذا أفتی أخذ المقلّد بفتوی هذا المجتهد بما هو فتواه وکاشف عن الحکم الشرعی لا بما هو مؤدّی الاستصحاب .
هذا ، ولکنّه ربّما یقال فی المقام : بأنّ فتوی المجتهد أمارة علی الوظیفة العملیة لعامّة الناس ، حیث یری المجتهد بحسب فحص نفسه ویأسه عن الدلیل وکون الاستصحاب مرجعاً لدیه حینئذٍ أنّ وظیفة عامّة الناس حینئذٍ هو الرجوع إلی الاستصحاب ولأجل ذلک یفتی بنحو القضیّة الکلّیة ، وإذا تبدّل رأی المجتهد لا ینکشف منه عدم کون الوظیفة العملیة من أوّل الأمر هو الاستصحاب ، بل ینقلب الموضوع من الآن ، حیث إنّ موضوع الاستصحاب کان هو الشکّ وکان هو متحقّقاً قبل التبدّل قطعاً ، فمقتضی القاعدة هو الإجزاء بالنسبة إلی کلّ من المقلّد والمجتهد بالنسبة إلی الأعمال السابقة ، ویفترق المقام عمّا إذا تحقّق له
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 482
ضعف مدرک الأصل کعدم کون حدیث «لا تنقض» مثلاً واجداً لشرائط الحجّیة ، إذ حینئذٍ ینکشف عدم کون الوظیفة من أوّل الأمر هو الرجوع إلی الاستصحاب .
ویمکن أن یجاب عن هذا القول بما لوّحنا إلیه من أنّ المقلّد لم یکن شاکّاً فبعد تبدّل رأی المجتهد یری المجتهد أنّ وظیفته العملیة کانت هو الاستصحاب ولا یری المقلّد هذا المعنی ، حیث لم یکن شاکّاً فی التکلیف سابقاً ، فتأمّل . فإنّ رجوع المقلّد إلی المجتهد فی الفتوی المستندة إلی الأصل لعلّه لا یخلو من إشکال ما .
قد تمّت یوم الجمعة 18 شعبان 1370
وأنا العبد المفتـقر إلـی رحمـة ربّـه الغنی
حسینعلی المنتظری الأصفهانی غفرالله له ولوالدیـه .
والحمد لله أوّلاً وآخراً .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 483
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 484