النظر السابع
حول الحمد القولی لکافّـة الموجودات
إلـیٰ أنّ الـحمد الـلسانی لایختصّ بالإنسان، ومن الـممکن دعویٰ: أنّ القرآن کتاب الـهدایـة لجمیع الـموجودات حسب إمکاناتها واستعداداتها، فیکون قولـه: «اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ» تعلیماً لکافّـة الـخلائق کیفیّـة تحمیده ـ تعالـیٰ وتقدّس ـ لساناً، ولاسیّما إذا قلنا: بأنّ تقدیرالآیة هکذا: «قولوا بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ» فیکون الـخطاب إلـیٰ کلّ من یتمکّن من الـقول والـنطق.
اعلم أنّ الـمشهور عند أهل الـفلسفـة الـعلیا: أنّ الـنُّطق فصل أخیر للإنسان، وعند أرباب الـبحث والـتحقیق: أنّ الـفصل الأخیر أنحاء الـوجودات، والـفصول الاشتقاقیّـة لوازم تلک الـفصول الـحقیقیّـة، ولیست هذه الـفصول مندرجـة تحت إحدیٰ الـمقولات، فیکون الـنطق الـکیفی ـ أی الـذی من الـکیفیّات الـمسموعـة ـ خاصّـة الإنسان، وعند أصحاب الـکشف والإیقان وذوی الألباب والـعرفان: أنّ الـنطق الـکیفی یشترک فیـه کافّـة الـموجودات، إلاّ أنّها محجوبـة عن ذوی الـحُجُب والـواطنین فی الأرض الـسُّفلیٰ، ومکشوفـة لدیٰ أرباب الـبصائر، ومسموعـة بتلک الأذان
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. ۱)صفحه 304 عند رفض الـجلباب الـبشری والـخروج عن أکدار الـمادّة وظلمات الـطبیعـة، وللعارف الـکامل الـکاشف عن الـحقائق ، إظهار تلک الأقوال والـسُّبُحات والـتحمیدات حتّیٰ للأجانب والـمحجوبین، کما فی قصّـة تسبیح الـحصاة فی کفّ الـنبیّ الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم، وإلـیٰ هذه الـمقالـة الـبارقـة الـملکوتیّـة تُشیر الآیات الإلهیّـة الآتیـة:
1 ـ «أَنْطَقَنَا اللّٰهُ الَّذِی أَنْطَقَ کُلَّ شَیْءٍ» فتأمّل.
2 ـ «وَإِنْ مِنْ شَیْءٍ إِلاّ یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰکِنْ لاَتَفْقَهُونَ تَسْبِیِحَهُمْ» علی الـقراءة الـمشهورة بالـتاء.
3 ـ «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّٰهَ یُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِی السَّمَـٰوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّیْرُ صَافَّاتٍ کُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِیحَهُ وَاللّٰهُ عَلِیمٌ بِمَا یَفْعَلُونَ».
والـروایات الـکثیرة الـناطقـة: بأنّ الـطیور ذات أذکار، وتشیر إلـیٰ تلک الأذکار، وممّا یشهد علیٰ أنّ الأشیاء ذات أقوال ونطق قولـه تعالـیٰ: «قَالَتَا أَتَیْنَا طَائِعِینَ» وقولـه تعالـیٰ: «قَالَتْ نَمْلَةٌ یَاأَیُّهَا النَّمْلُ»، والـحمل علی الـمجاز والـکنایـة وإن کان یمکن، إلاّ أنّـه خلاف الـظاهر، بعد اقتضاء الـتحقیق ومساعدة الـکشف والـوحی لـه، فلاتخلط.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. ۱)صفحه 305