الإعراب والنحو
إن قرأناه علیٰ الـرفع فیکون الـمبتدأ وخبره محذوفین تعلّق بهما الـجار والـمجرور والـظرف مستقرّ ؛ أی الـحمد یکون للّٰه، أو ثابت لـه تعالـیٰ ومستقرّ لـه، أو یثبت للّٰه ویستقرّ لـه، ویمکن جعلـه ظرفاً لغواً؛ أی الـحمد اعتُبر واُنشئ للّٰه؛ أی ملکاً لـه تعالـیٰ، والـمتعیّن هو الأوّل.
وإن قرأناه علیٰ الـنصب فقیل: لابدّ من عامل تقدیره: أحمد اللّٰه، أو حمدتُ اللّٰه؛ لتخصیص الـحمد بتخصیص فاعلـه، وأشعر بالـتجدّد. ویکون فی حالـة الـنصب من الـمصادر الـتی حُذفت أفعالـها واُقیمت مقامها، وذلک فی الأخبار نحو شکراً لا کفراً. وقدّر بعضهم الـعامل للنصب فعلاً غیر مشتقّ من الـحمد؛ أی أقول: الـحمد للّٰه، أو الـزموا الـحمد للّٰه، کما حذفوه من نحو «الـلّهمّ ضَبْعاً وذئباً».
وقال ابن حیّان : «والأوّل هو الـصحیح لدلالـة الـلفظ علیـه، وفی قراءة الـنصب الـلام للتبین». انتهیٰ.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. ۱)صفحه 277 أقول : هذا غیر معقول؛ لأنّ الـنصب لابدّ وأن یستند إلـیٰ عامل مذکور أو محذوف أو عامل معنویّ، کالابتداء ـ مثلاً ـ فی الـمبتدأ . فإذاً قیام الـمصدر مقام فعلـه لایکفی لنصبـه، فإنّ نفس الـقیام لایقتضی الـنصب. فما اشتهر غیر راجع إلـیٰ محصّل.
فالـحمد للّٰه، علیٰ الـنصب معناه: أحمد الـحمدَ للّٰه، وهذا بحسب الـدقّـة غیر صحیح؛ لأنّ الـحمد لایُحمد، ولکنّـه من قبیل قولهم: «کلّ ذنبٍ أذنبتُهُ وکلّ خطیئةٍ أخطأتُها»، فإنّ الـمتکلّم یرید الاستغفار من کلّ ذنب ارتکبـه، ولایُعقل أن یجعل الـذنب هو، فأخذ مادّة الـذنب فی الـفعل لاتدلّ علیٰ شیء، والـهیئـة تدلّ علیٰ الـصدور؛ أی کلّ ذنب وخطیئـة أصدرتـه وأوجدتـه، فأحمد الـحمدَ للّٰه، أو اُوجد الـحمدَ للّٰه، واُخصّص الـحمد للّٰه... وهکذا ممّا یناسب مقصوده.
وإذا قرأناه علیٰ الـجرّ والـکسر فهو لأجل إتباع الـدالِ الـلامَ فی حرکتها وهذا هو الاکتساب من الـمجاورة، کما قیل فی قولـه تعالـیٰ: «وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ کُلَّ شَیءٍ حَیٍّ» فإنّ قضیّـة الـقواعد احتیاج الـفعل هنا إلـی مفعولین، فلو کان «حیّ» صفـة لشیء، یلزم کون «جعل» بمعنیٰ خلق، ویصیر من أقسام الـجعل الـبسیط، وهو خلاف الأصل فیـه، فالـمعنیٰ هکذا: جعلنا من الماء کلّ شیء حیّـاً، ولکنّـه مجرور بالـمجاورة فتأمّل.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. ۱)صفحه 278