عدم جواز الترجیح لأحد الاستصحابین
فنقول : الأمر فی الاستصحابین المتعارضین ، بل مطلق الأصلین المتعارضین دائر بین التساقط والتخیـیر ، ولا مجال فیهما للترجیح أصلاً ، ووجه ذلک أنّه یشترط فی الترجیح أمران :
أحدهما : إمکان اجتماع المرجِّح والمرجَّح ، فلو فرض کون کلّ منهما بحیث ینعدم بوجود الآخر فلا یتمشّی الترجیح .
ثانیهما : کون المرجِّح مرتبطاً بالمرجَّح ومعاضداً له فی المضمون بمعنی کونهما متوافقی المضمون فالقضیّة الدالّة علی قیام زید مثلاً لا یمکن أن تکون مرجّحة لما یدلّ علی قعود عمرو .
إذا عرفت هذا ، فنقول : إنّ ما یفرض مرجّحاً للاستصحاب لا یخلو من أحد الاُمور الخمسة : الأمارة المعتبرة ، والأمارة الغیر المعتبرة ، والأصل الحاکم ، والأصل المحکوم ، والأصل الذی یکون فی رتبته .
ففی الأوّلین ینعدم الشرط الثانی ، فإنّ الأمارة ـ سواء کانت معتبرة أو غیر معتبرة ـ حاکیة عن الواقع ، ومفادها الأخبار عن الواقع ومفاد الأصل بیان الوظیفة العملیة فی رتبة الشکّ وسترة الواقع من دون نظر إلی الواقع ، فلا یتوافقان من حیث المضمون ولا یرتبط مفاد أحدهما بالآخر ، وفی الثالث
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 180 والرابع وکذا الأوّل أیضاً ینعدم الشرط الأوّل کما لا یخفی ، وأمّا فی الخامس فیرد ، أوّلاً : عدم العثور علی مثال له .
وثانیاً : بأنّه بعد ما تحقّق هنا أصلان فی رتبة واحدة متوافقا المضمون وأصل آخر مخالف یقع التعارض بینه وبینهما دفعة لا أنّه یعارض المخالف مع أحدهما ویصیر الآخر مرجّحاً له .
وبهذا البـیان : یظهر عدم تمشّی الترجیح فی باب الاُصول أصلاً ، من غیر فرق بین المحرزة وغیرها ، إذ الاُصول المحرزة أیضاً لیست خارجة عن کونها من الاُصول ؛ ولا ریب أنّها بأجمعها متعرّضة للوظیفة العملیة فی رتبة سترة الواقع ، فلا یعاضد ولا یعتضد بمـا یتضمّن بیان الواقع ، کما أنّ مقتضی ذلک عدم مناقضتها له ، إذ التناقض فرع تکفّل المتناقضین لنسبة واحدة واختلافهما بالإیجاب والسلب فـلا یتصوّر التناقض بین مفاد أصل وأمارة حاکیة عن الواقع .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 181