التنبیه الثامن فی استصحاب حکم المخصّص
إذا قال المولی : «أکرم العلماء کلّ یوم» فلا إشکال فی أنّ العموم الأزمانی متأخّر عن العموم الأفرادی وهو بمنزلة الموضوع له ، فلو فرض خروج زید من الأوّل بأن قال : «لا تکرم زیداً» فهو تصرّف فی الأوّل دون الثانی ، إذ قوله : «کلّ یوم» إنّما جیء به لاستیعاب ما اُرید من الأوّل وتخصیص الأوّل تخصّص وورود بالنسبة إلی الثانی ، ونظیره ما إذا تصرّف تکویناً فی بعض أفراد العالم فصیّره جاهلاً .
ولو تصرّف فی الثانی بأن قال : «لا تکرم زیداً یوم الجمعة» فهو لیس تصرّفاً فی الأوّل أصلاً کما لا یخفی . هذا إذا صرّح بالعموم الأزمانی .
ومثله ما إذا عبّر بلفظ «دائماً» فلیس التصرّف فی الأوّل تصرّفاً فی الثانی ولا التصرّف فی الثانی تصرّفاً فی الأوّل . ومثل ذلک ما إذا استفید السریان الزمانی بلإطلاق وبمعونة مقدّمات الحکمة ، فإذا قال : «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» واستفدنا
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 128 بمعونة مقدّمات الحکمة وجوب الوفاء دائماً فللمولی أن یتصرّف فی العموم الأفرادی بأن یقول : «إلاّ عقد العاریة» مثلاً ، فلیس هذا إلاّ تخصیصاً للعموم ولیس تقیـیداً للإطلاق أصلاً ، وإنّما هو تضیـیق لموضوعه وله أیضاً أن یتصرّف فی الإطلاق من دون أن یکون ذلک تصرّفاً فی العموم بأن یقول : «إلاّ البیع حین الاطّلاع علی تحقّق الغبن فیه» فذلک تصرّف فی الإطلاق دون العموم ، وکما أنّ تخصیص العامّ بالنسبة إلی بعض الأفراد لا یوجب سقوطه عن الحجّیة ، فکذلک تقیـید المطلق یقتصر فیه علی القدر المتیقّن .
وبما ذکرنا : ظهر فساد کلام الشیخ قدس سره حیث زعم أنّ خروج بعض أفراد العقد فی زمان یکون من التخصیص للعامِّ، فإنّه لیس من باب التخصیص ، بل هو من قبیل التقیـید للإطلاق المتأخّر عن العموم فی المقام لکون العامّ بمنزلة الموضوع له .
ولا فرق فیما ذکرنا بین أن یکون إخراج بعض الأزمنة من الأوّل أو من الوسط کما فی شرط الخیار فی زمان منفصل عن العقد .
وقد تلخّص ممّا ذکرنا : أنّه لا مجال لاستصحاب حکم المخصّص أصلاً ولو لم یصرّح بالعموم الأزمانی ، بل اللازم مطلقاً هو العمل بالعموم الأزمانی أو الإطلاق الدالّ علی السریان الزمانی بعد خروج القدر المتیقّن .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 129