حکم الشبهات الموضوعیة
نعم ، فیما إذا کان الشکّ من جهة الشبهة الموضوعیة وکان الشکّ فی أنّ الحیوان الکذائی ، هل ذکّی أم لا ؟ أو شکّ فی أنّ الجزء الفلانی کالجلد مثلاً من المذکّی أو من غیره أو من مشکوکه ؟ ففی جریان أصالة عدم التذکیة مطلقاً أو التفصیل بین الصور إشکال . هذا مع قطع النظر عن الإشکال الذی مرّ ذکره ممّا یعمّ جمیع صور المسألة وأقسام الشکوک .
فلنذکر صور الشبهة الموضوعیة بأحکامها :
الاُولی : أن یکون هنا حیوان مذبوح شکّ فی أنّه مذکّی أو غیر مذکّی ، أو یکون هنا جزء من حیوان خاصّ شکّ فی تذکیته ، وهذه الصورة مورد تسالمهم علی جریان أصالة عدم التذکیة ولا إشکال فیها سوی الإشکال السیّال الذی مرِّذکره .
الثانیة : أن یکون هنا حیوانان أحدهما فی جانب المشرق مثلاً والآخر فی جانب المغرب فعلم بأنّ ما فی جانب المشرق مذکّی والآخر غیر مذکّی وکان کلاهما محلّ الابتلاء .
غایة الأمر : أنّ هنا جلداً أو قطعة لحم علم بأنّه مأخوذ من أحدهما ولکن لم یعلم المأخوذ منه بنحو التفصیل ، ففی هذه الصورة نفس الحیوانین لا یجری فیهما الأصل أصلاً لکونهما معلومین بالتفصیل ، وأمّا الجزء فیجری فیه أصالة
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 53 الحلّ والطهارة ولا یجری فیه أصالة عدم التذکیة وذلک لأنّ التذکیة وعدمها وصفان للحیوان لا لأجزائه فالمذکّی ؛ أعنی ما زهق روحه بالشرائط الشرعیة وغیر المذکّی أی ما زهق روحه بدونها ، عبارة عن نفس الحیوان ، وأمّا الحکم بنجاسة الأجزاء وحرمتها أو طهارتها وحلّیتها فإنّما هو من جهة کونها أجزاء للمذکّی أو غیره ، فإنّ تذکیة الحیوان یترتّب علیها حلّیة جمیع أجزائه وطهارتها وعدم تذکیته یترتّب علیه حرمتها ونجاستها .
فإن قلت : نجری الأصل فی الحیوان الذی اُخذ منه هذا الجزء ونحکم بسببه بحرمة الجزء ونجاسته ، فإنّ الفرض أنّ المأخوذ منه الجزء مشکوک وإن کان أمره دائراً بین المعلومین بالتفصیل .
قلت : لا مسرح لجریان هذا الأصل ، إذ لیس فی البین حیوان شکّ فی تذکیته وعنوان المأخوذ منه عنوان انتزاعی لیس له خارج وراء المعلومین .
وبعبارة اُخری : لیس هنا فی الخارج شکِّ، وإنّما الشکّ فی أنّ الجزء اُخذ من هذا المعلوم أو من ذاک المعلوم ، ومورد أصالة عدم التذکیة هو ما إذا کان هنا حیوان موجود فی الخارج شکّ فی تذکیته .
ثمّ إنّه لو سلّم جریان هذا الأصل فلا یرد علیه : أنّ جریان الأصل فی الحیوان لا یثبت کون الجزء منه ، لما عرفت من أنّ أثر إجراء الأصل فی الحیوان هو حرمة جمیع أجزائه ونجاستها فلا یکون الأصل بالنسبة إلی الأجزاء مثبتاً .
الثالثة : أن یکون هنا حیوانان علمنا بأنّ أحدهما مذکّی والآخر غیر مذکّی ولکن اشتبه المذکّی بغیره وهنا جزء کالجلد مثلاً علم بأخذه من أحدهما المعیّن
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 54 أو من أحدهما الغیر المعیّن والحیوانان کلاهما محلّ الابتلاء ، ففی هذه الصورة یجب الاجتناب عن الحیوانین وأجزائهما ، للعلم الإجمالی المنجّز ولا مجال لجریان أصالة الحلّ والطهارة وعدم التذکیة لا فی الحیوانین ولا فی الجزء ، أمّا فی الحیوانین فواضح لکونهما طرفین للعلم الإجمالی .
نعم ، لو قلنا : بأنّ الأصل إذا لم یلزم من جریانه فی الطرفین مخالفة عملیة جاز إجراءه فیهما ، ففیما نحن فیه یجری أصالة عدم التذکیة فی الطرفین ویترتّب علیها نجاسة ملاقی أحدهما ، وأمّا فی الجزء فعدم جریان أصالة عدم التذکیة قد مرّ وجهه . وأمّا عدم جریان أصالة الحلّ والطهارة فلأنّ الجزء بنفسه طرف للعلم الإجمالی فإنّ نجاسة الجزء لیس حکماً آخر مسبّباً عن نجاسة الکلّ حتّی یکون حال الجزء حال ملاقی أحد طرفی العلم الإجمالی ، بل معنی نجاسة الکلّ هو نجاسة جمیع أجزائه ، فلا یمکن أن یقال : إنّ الأصل فی الجزء لا معارض له کما فی الملاقی ، وأمّا إجراء أصالة عدم التذکیة فی المأخوذ منه فقد مرّ ضعفه .
الرابعة : أن یکون هنا حیوانان أحدهما محلّ الابتلاء والآخر خارج عنه وعلم بأنّ المبتلی به مذکّی وغیره غیر مذکّی وکان هنا جلد لم یعلم أخذه من المبتلی به أو من غیره ، وحینئذٍ فلا مجال لجریان أصالة عدم التذکیة أصلاً لا فی الحیوانین ، کما هو واضح ولا فی الجزء ، لما مرّ وجهه وفی المأخوذ منه أیضاً لا یجری کما مرِّ، فالجزء محکوم بالحلّیة والطهارة بمقتضی القاعدتین .
الخامسة : الصورة السابقة مع العلم بأنّ المبتلی به غیر مذکّی والآخر مذکّی فالجزء أیضاً محکوم بالطهارة والحلّیة ووجهه واضح .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 55 السادسة : أن یکون هنا حیوانان أحدهما محلّ الابتلاء والآخر خارج عنه وعلم بتذکیة أحدهما إجمالاً وعدم تذکیة الآخر وکان هنا جزء لم یعلم أخذه من المبتلی به أو من غیره ، ففی هذه الصورة أصالة عدم التذکیة فی المبتلی به لا معارض له ، إذ الفرض خروج الآخر عن محلّ الابتلاء فلا یجری فیه الأصل ، وأمّا الجزء فمحکوم بالحلّیة والطهارة ، کما یظهر وجهه بالتأمّل .
السابعة : الصورة السابقة مع العلم بکون الجزء مأخوذاً من المبتلی به فأصالة عدم التذکیة تجری فی المبتلی به ویحکم بنجاسة الجزء أیضاً .
الثامنة : تلک الصورة أیضاً مع العلم بکون الجزء مأخوذاً من غیر المبتلی به ففی هذه الصورة یکون العلم الإجمالی منجّزاً ، إذ غیر المبتلی به یصیر مبتلی به بسبب الابتلاء بجزئه فالجزء یجب أن یجتنب عنه ولو قلنا بجریان الأصل فی الطرفین ، إذا لم یلزم منه مخالفة عملیة جری أصالة عدم التذکیة فی الطرفین وترتّب علیها نجاستهما ونجاسة الجزء .
التاسعة : أن یکون الحیوانان خارجین عن محلّ الابتلاء وعلم بتذکیة أحدهما المعیّن وعدم تذکیة الآخر وکان هنا جلد لم یعلم أخذه من المذکّی أو من غیره ، ففی هذه الصورة أیضاً لا یجری الأصل فی الطرفین والجزء یکون محکوماً بالطهارة والحلّیة کما مرّ وجهه .
العاشرة : أن یکون الحیوانان خارجین عن محلّ الابتلاء وعلم بتذکیة أحدهما إجمالاً وعدم تذکیة الآخر وکان هنا جلد لم یعلم أخذه من المذکّی أو من غیره وحینئذٍ فأصالة عدم التذکیة تجری فی المأخوذ منه ، لصیرورته بسبب الابتلاء بجزئه مبتلی به ولا تجری فی الآخر فیکون الجزء محکوماً بالنجاسة .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 56 الحادیة عشر : أن یکون هنا حیوانان علم بتذکیة أحدهما المعیّن وشکّ فی تذکیة الآخر وکان کلاهما محلّ الابتلاء وکان هنا جزء لم یعلم أخذه من المعلوم أو المشکوک ، وحینئذٍ فأصالة عدم التذکیة تجری فی المشکوک ، ولکن لا تجری فی الجزء ، لما عرفت من أنّ الجزء بنفسه لیس موضوعاً للتذکیة وعدمها ولا تجری أیضاً فی عنوان المأخوذ منه لدورانه بین المعلوم والمشکوک فیکون شبهة مصداقیة لدلیل الأصل فیجری فی الجزء أصالة الحلّ والطهارة .
الثانیة عشر : أن یکون هنا حیوانان علم بتذکیة أحدهما المعیّن وشکّ فی تذکیة الآخر وکان المشکوک فقط خارجاً عن محلّ الابتلاء وکان هنا جزء لم یعلم أخذه من المعلوم أو المشکوک ، وحینئذٍ فلا تجری أصالة عدم التذکیة لا فی الطرفین ولا فی الجزء وکذلک فی المأخوذ منه کما هو واضح فتجری فی الجزء أیضاً أصالة الحلّ والطهارة .
الثالثة عشر : الصورة السابقة مع کون المعلوم فقط خارجاً عن محلّ الابتلاء فأصالة عدم التذکیة تجری فی المشکوک ولا تجری فی الجزء ولا فی المأخوذ منه فیکون الجزء طاهراً وحلالاً .
الرابعة عشر : تلک الصورة أیضاً مع کون کلیهما خارجاً عن محلّ الابتلاء وحکمها کالصورة الثانیة عشر .
الخامسة عشر : أن یکون حیوانان علم بعدم تذکیة أحدهما المعیّن وشکّ فی تذکیة الآخر وکان هنا جزء لم یعلم أخذه من المعلوم أو المشکوک وکان کلاهما مورداً للابتلاء ، وحینئذٍ فتجری أصالة عدم التذکیة فی المشکوک ویکون الجزء محکوماً بالنجاسة والحرمة .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 57 السادسة عشر : الصورة السابقة مع کون المشکوک فقط محلاًّ للابتلاء ، وحینئذٍ أیضاً تجری أصالة عدم التذکیة فی المشکوک والجزء أیضاً محکوم بالنجاسة .
السابعة عشر : تلک الصورة أیضاً مع کون المعلوم فقط مورداً للابتلاء ، وحینئذٍ فلا تجری أصالة عدم التذکیة فی المشکوک بالنسبة إلی سائر الآثار ، وأمّا الجزء فیکون محکوماً بالنجاسة ، إذ لا یخلو إمّا أن یکون مأخوذاً ممّا علم عدم تذکیته فیکون نجساً أو یکون مأخوذاً من المشکوک فیکون محلاًّ للابتلاء بسبب الابتلاء بجزئه .
الثامنة عشر : تلک الصورة أیضاً مع کون کلیهما خارجین عن محلّ الابتلاء وحکمها کسابقتها .
وبما ذکرنا من الصور علم حکم الجلود التی تحمل من بلاد الکفر إلی بلاد الإسلام .
فمنها : ما یرجع إلی الصورة الرابعة أو الثانیة عشر وهی أکثرها فإنّ أکثر الجلود التی صنعت فی بلاد الکفر ممّا هی مشتبهة بین الجلود التی نقلت من بلاد المسلمین إلیها فصنعوا بها ما صنعوا وردت بضاعتهم إلیهم وبین غیرها ممّا علم بعدم تذکیتها أو شکّ فی تذکیتها من ذبائحهم . وقد عرفت : أنّ فی مثلها یکون الجزء محکوماً بالطهارة والحلّیة .
ومنها : ما یرجع إلی الصورة السادسة عشر فیکون الجلد محکوماً بالنجاسة .
ومنها : ما یرجع إلی الصورة العاشرة فیکون الجلد أیضاً محکوماً بالنجاسة .
ومنها : ما یرجع إلی الصورة التاسعة فیکون الجلد محکوماً بالطهارة .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 58 ومنها : ما یرجع إلی غیر ذلک فتدبّر فی المقام فإنّه حقیق .
وبالجملة : فأصالة عدم التذکیة لا تفید بالنسبة إلی بعض الجلود المحمولة من الخارج مع قطع النظر عن الإشکال السیّال أیضاً ، فمقتضی الأصل طهارة هذه الجلود إلاّ أن یدلّ دلیل اجتهادی علی نجاستها ، وبیان ذلک موکول إلی البحث الفقهی .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 59