أقسام القضیة والتحقیق فیها
إنّ القضایا المعتبرة فی العلوم إمّا أن تکون موجبة أو سالبة أو معدولة المحمول موجبة و سالبة . والاُولیان قد تکونان بنحو الهلیّة البسیطة وقد تکونان بنحو الهلیّة المرکّبة فإذن القضایا التی لها اعتبار عند العقل والعقلاء ستّة .
وأمّا القضیّة الموجبة السالبة المحمول فلیست ممّا تعتبر فی العلوم ، وإنّما حدثت بین المتأخّرین وحقیقتها ترجع إلی قضیّـتین کما لا یخفی .
فالاُولی من القضایا الستّة : القضیّة الموجبة بنحو الهلیّة المرکّبة کقولنا : «زید قائم»، ولا إشکال فی أنّها تنحلّ إلی موضوع ومحمول ونسبة، ولکلّ منها محکیّ فالموضوع یحکی عن زید الخارجی والمحمول عن القیام الخارجی والنسبة عن حصوله له ، وأمّا تحقیق أنّ الکون الرابط متحقّق فی الخارج أو لا ، وعلی فرض تحقّقه فبأیّ کیفیّة فأمر صعب خارج عن مقصودنا . وکیف کان : فللقضیّة المرکّبة الموجبة حکایة وکشف عن أمر خارجی موضوعاً ومحمولاً ونسبة .
الثانیة : القضیّة الموجبة بنحو الهلیّة البسیطة ، کقولنا : «زید موجود والوجود موجود» ، ولا إشکال فی أنّ هذه القضیّة مرکّبة ذهناً من الموضوع والمحمول والنسبة لأنّ تقوّم القضیّة الموجبة إنّما یکون بالاُمور الثلاثة ، کما لا إشکال فی أنّ المحکیّ عنه فیها لیس بنحو المحکیّ عنه فی القضیّة الاُولی ، فإنّ موجودیة الماهیة لیس علی نحو عروض العوارض الخارجیة لموضوعاتها ، کما أنّ
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 23 موجودیة الوجود لیست عارضة له فی الخارج ، بل المحکیّ الخارجی فی هذه القضیّة لیس إلاّ نفس الوجود البسیط الخاصّ فیحلّله العقل إلی موضوع ومحمول ونسبة . وأوضح ممّا ذکرنا ، قولنا : «زید زید» و«الوجود وجود» فإنّ المحکیّ لیس إلاّ نفس ذات الموضوع ، ومناط الصدق فی أمثال هذه القضایا هو تحقّق الموضوع بنفس ذاته ؛ یعنی واجدیة ذاته لذاته خارجاً أو تحقّق المحمول بذاته .
الثالثة : القضیّة الموجبة المعدولة المحمول ، والمیزان فی اعتبارها أن یکون للمعنی العدمی المنتسب إلی الموضوع نحو حصول فی الموضوع کأعدام الملکات مثل : «زید لا بصیر» المساوق لقولنا : «زید أعمی» فإنّ إثبات العمی واللا بصریة للموضوع إنّما هو باعتبار أنّ لهذا المعنی العدمی نحو تحقّق فیه وهو قابلیّـته للاتّصاف بالبصر التی هو استعداد للبصر ومرتبة ضعیفة له وهذا الاعتبار لیس فی السالبة المحصّلة ، للفرق الواضح بین سلب شیء عن الموضوع بالسلب المطلق وبین إثبات السلب له بنحو عدم الملکة . ولهذا یکون اعتبار القضیّة المعدولة فیما إذا کان للسلب ثبوت بنحو عدم الملکة کما مرِّ، فقولنا : «زید لا بصیر» قضیّة معتبرة و«زید لا عمرو» قضیّة غیر معتبرة کـ «الجدار لا بصیر أو أعمی» فمناط الصدق فی مثلها هو نحو تحقّق للمعنی السلبی فی الموضوع وثبوته له بنحو من الثبوت فـ «الجدار لا بصیر» قضیّة غیر صادقة وأمّا «الجدار لیس ببصیر» فصادقة و«زید لا بصیر» صادقة کـ «زید لیس ببصیر» .
الرابعة : القضیّة السالبة المعدولة المحمول کقولنا : «الجدار لیس بلا بصیر»
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 24 وهی أیضاً قضیّة معتبرة ومفادها سلب تحصیلی لهذا المعنی العدمی عن الموضوع .
الخامسة : القضیّة السالبة بنحو الهلیّة البسیطة کقولنا : «زید لیس بموجود» ممّا مفادها سلب الموضوع بنحو لیس التامّة وفی مثل هذه القضیّة لیست حکایة وکشف واقعی عن أمر أصلاً ولیس لها محکیّ بوجه ، لکنّ العقل یدرک بنحو من الإدراک بطلان الموضوع ، وهذا الإدراک أیضاً یکون بتبع أمر وجودی کالصورة المدرکة الذهنیة التی یخترعها العقل وتکون مناط إدراکه وحکمه ، فقولنا : «المعدوم المطلق معدوم» لا یحکی عن أمر واقعی ، بل ینبّه علی بطلان المعدوم وعدم شیئیته ولیس للبطلان وعدم الشیئیة واقعیة حتّی یحکی شیء عنها .
نعم ، یتوهّم العقل المشوب أنّ للبطلان واقعیة والمفهوم یحکی عنه والتخلّص من ملاعبة الواهمة أمر صعب .
السادسة : القضیّة السالبة المحصّلة بنحو الهلیّة المرکّبة ، کقولنا : «زید لیس بقائم» .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 25