التنبیه الثانی فی استصحاب عدم التذکیة
الشیخ الأنصاری قدس سره بعد ما ذکر أقسام استصحاب الکلّی ورد بمناسبة مّا فی بیان أنّ أصالة عدم التذکیة جاریة أم لا . ونحن أیضاً نرد فی تحقیقها بحیث یظهر لک ما هو الحقّ المحقّق فی المسألة . وقبل الشروع فی المقصود لابدّ من ذکر اُمور :
الأمر الأوّل : أنّ الشبهة إمّا حکمیة أو موضوعیة ، والحکمیة هاهنا إمّا أن تکون لأجل الشکّ فی قابلیة الحیوان الکذائی للتذکیة وإمّا أن تکون لأجل الشکّ فی جزئیة شیء أو شرطیته لها وإمّا أن تکون لأجل الشکّ فی مانعیة شیء عنها .
والشکّ فی القابلیة أیضاً إمّا من جهة الشبهة المفهومیة ، کما لو ورد الدلیل علی عدم قبول السبُع للتذکیة فشکّ فی حیوان أنّه من السباع أم لا ، من جهة
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 19 إجمال مفهوم السبُع ، وإمّا من جهة اُخری ، کما إذا شکّ فی أنّ الحیوان المتولّد من الحیوانین مع عدم دخوله فی عنوان أحدهما ممّا یقبل التذکیة أو لا ، والشکّ فی المانعیة ، تارة : یکون لأجل وصف لازم ، وتارة : یکون لأجل وصف حادث ، کالجلل بنحو الإطلاق أو الجلل الخاصِّ.
والشبهة الموضوعیة تکون تارة : لأجل الشکّ فی حیوان خاصّ أنّه غنم أو ذئب مثلاً لأجل الشبهة الخارجیة ، کما فی الظلمة مثلاً ، وتارة : لأجل الشکّ فی جزء من الحیوان أنّه جزء من الغنم أو الذئب مثلاً ، وتارة : لأجل الشکّ فی جزء من الحیوان أنّه مأخوذ ممّا یعلم تذکیته أو ممّا لم یعلم تذکیته أو یعلم عدم تذکیته ، وتارة : لأجل الشکّ فی تحقّق التذکیة خارجاً مع عدم کونه فی ید مسلم أو سوق المسلمین وعدم مسبوقیته بهما ، وتارة : لأجل الشکّ فی طروّ المانع بعد إحراز المانعیة .
الأمر الثانی : أنّ التذکیة بحسب التصویر العقلی إمّا أن تکون أمراً بسیطاً أو تکون مرکّباً خارجیاً أو مرکّباً تقیـیدیاً ، وعلی الأوّل تارة : تکون أمراً متحصّلاً مسبّباً من الأجزاء الخارجیة ، وتارة : تکون منتزعة عنها موجودة بعین وجودها کسائر الانتزاعیات . والمراد من المرکّب الخارجی هنا أن تکون التذکیة عبارة عن نفس الاُمور الستّة أی فری الأوداج الأربعة بالحدید إلی القبلة مع التسمیة وکون الذابح مسلماً والحیوان قابلاً . والمراد من کونها من المرکّبات التقیـیدیة أن تکون التذکیة عبارة عن أمر متقیّد بأمر آخر ، وحینئذٍ فیحتمل أن تکون أمراً بسیطاً متحصّلاً من الاُمور الخمسة متقیّداً بقابلیة المحلِّ، ویحتمل أن تکون أمراً منتزعاً عنها متقیّداً بها ، ویحتمل أن تکون أمراً مرکّباً منها متقیّداً بها ففی هذه
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 20 الصور الثلاثة یکون الترکیب تقیـیدیاً . غایة الأمر : أنّ ذات المقیّد ربّما یکون بسیطاً وربّما یکون مرکّباً .
فإن قلت : لو فرض کون التذکیة عبارة عن نفس الاُمور الستّة فما معنی القابلیة فإن کان المراد منها قابلیة المحلّ للخمسة الاُخر فلا شکّ أنّ کلّ حیوان یقبل ذلک وإن کان المراد منها معنی آخر فما هذا المعنی ؟
قلت : لیس معنی القابلیة حینئذٍ قابلیة الحیوان لورود الخمسة الاُخر ، بل المراد بها قابلیة الحیوان لتأثیر الاُمور الخمسة فی طهارته وحلّیة لحمه ، وسیأتی بعد ذلک أنّ القابلیة یمکن أن یقال : بکونها من الأحکام الشرعیة الوضعیة من دون أن یکون لها واقع وراء جعل الشارع .
الأمر الثالث : إن دلّ دلیل شرعی علی تعیـین أحد المحتملات ورفع الشکّ من جهة أو جهات فهو وإلاّ فالمرجع هو الاُصول العملیة موضوعیة کانت أو حکمیة علی اختلاف الموارد ، ـ کما سیأتی تفصیلها ـ وأمّا التصدیق ببعض المحتملات فهو منوط بالبحث الفقهی .
إذا عرفت ذلک ، فنقول : لو کانت الشبهة من جهة قابلیة الحیوان للتذکیة ، سواء کانت الشبهة مفهومیة أو لا ولم یدلّ دلیل شرعی علی قابلیة کلّ حیوان للتذکیة ، فهل تجری أصالة عدم القابلیة وتحرز الموضوع أم لا ؟ قد یقال بجریانها .
وتوضیحه : أنّ العارض قد یکون عارضاً للماهیة ، وقد یکون عارضاً للوجود ، وعلی کلّ تقدیر فقد یکون لازماً وقد یکون مفارقاً فالعرض اللازم للماهیة کالزوجیة للأربعة والمفارق لها کعروض الوجود للماهیة الممکنة
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 21 والعرض اللازم للوجود کموجودیته المصدریة والنوریة والمنشأیة للآثار والمفارق له کالسواد والبیاض العارضین للموجود .
ولا إشکال فی أنّ قابلیة الحیوان للتذکیة من العوارض اللازمة للوجود أو الموجود ولیست من العوارض اللازمة للماهیة ، بل هی بالنسبة إلیها من العوارض المفارقة العارضة لها بتبع الوجود ، کجمیع عوارض الوجود .
إذا عرفت هذا ، فنقول : إنّ الحیوان الکذائی ونشیر إلی ماهیته لم یکن قابلاً للتذکیة قبل وجوده ونشکّ فی أنّه حین تلبّسه بالوجود عرض له القابلیة لها أو لا فالأصل عدم عروضها له .
نعم ، لو کان الموضوع هو الموجود أو کانت القابلیة من لوازم الماهیة لم یکن وجه لهذا الاستصحاب لعدم الحالة السابقة ، لکنّ الموضوع هو الماهیة والقابلیة عارضة لها بعد وجودها ، فهذه الماهیة قبل تحقّقها لم تکن متّصفة بالقابلیة بنحو السالبة المحصّلة فیستصحب ذلک .
وبهذا البیان یعلم جریان أصالة عدم القرشیة وأمثالها فأصالة عدم القابلیة جاریة وحاکمة علی أصالة عدم التذکیة وعلی الاُصول الحکمیة .
هذه غایة ما یمکن أن یقرّر به هذا الأصل ، ولقد أصرّ شیخنا العلاّمة أعلی الله مقامه علی جریانه .
ولکنّ التحقیق : أنّ هذا الأصل ممّا لا أصل له ، وتوضیحه یتوقّف علی بیان
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 22 اعتبارات القضایا السالبة ولا بأس بالإشارة إلی مطلق القضایا لکی یتّضح المقصود ، فنقول :
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 23