النقطة السادسة
بعض النکات حول «وَمِمّٰا رَزَقْناهُم یُنفِقُونَ»
تقدیم الـظرف فی قولـه: «وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ» إمّا لأجل الاهتمام بـه، أو لأجل مراعاة رؤوس الآی، أو لأجل إفادة الـحصر، فلایُنفِقون ممّا رزقنا غیرهم؛ إن کان الـرزق لـلمعنیٰ الأعمّ، وإلاّ فلو کان معنیٰ الـرزق الـواصل إلـیٰ الـمرزوق، فلایمکن إنفاق ما رزقناهم وما رزقنا غیرهم، فإذاً لـزم الـمجازیّـة، فلا منع من الالتزام بالمعنیٰ الـعامّ، فلْیتأمّل.
ومن الـعجیب توهّم: أنّ هذه الآیـة منسوخـة بآیـة الـزکاة؛ لأنّ غیرها ممّا لایلزم إنفاقـه، وسیظهر أنّها لاتفید إلاّ الـمدح علیٰ الإنفاق.
ثمّ إنّ الإنفاق الـمتعدّی بنفسـه أو بغیر «من» إذا تعدّیٰ بـ «من»، فهو لـیس إلاّ لإفادة الـتبعیض، ففی الإتیان بالجارّ إفادة لـعدم لـزوم الـتقتیر علیٰ أنفسهم، «وَلاَتَبْسُطْهَا کُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومَاً مَحْسُوراً» بل أبسطها علیٰ حدّ محدود وقدر خاصّ.
ثمّ إنّ حقیقـة الـرزق ـ حسب ما عرفت ـ أعمّ من الأرزاق الـمادّیّـة
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 434 الـراجعـة إلـیٰ الـمأکل والـمشرب والـمنکح والـملبس، بل یعمّ الأرزاق الـمعنویّـة والـروحانیّـة، فینفقون من علومهم الـدراسیّـة والـتجریبیّـة، ومن الـمعارف والـمکاشفات الـقرآنیـة والـعرفانیّـة، وأیضاً هو الأعمّ من الـمال والـولد، فینفقون فی سبیل اللّٰه أموالـهم وأولادهم وعلومهم ومعارفهم وهممهم وأفکارهم وغیر ذلک، ویصحّ ـ علیٰ تعبیر ـ إنفاق أنفسهم؛ لأنّ الـوجود من الـرزق ومن الـنعم الإلهیّـة.
فما عن ابن عبّاس: بأنّـه الـزکاة الـمفروضـة، وعن ابن مسعود: أنّها نفقـة الـرجل علیٰ أهلـه؛ لأنّ الآیـة نزلت قبل وجوب الـزکاة، وعن الـضحّاک: هو الـتطوّع بالنفقـة فیما قرّب من اللّٰه تعالیٰ، فکلّـه خالٍ عن الـتحصیل؛ لـعدم الـدلیل . فعلیٰ ما تقرّر ثبت عموم الآیـة من جهاتٍ شتّیٰ:
الاُولیٰ: من جهـة أنّ الـمؤمن بالغیب والـمُقیم لـلصلاة والـمُنفِق أعمّ، ویشمل الـصبیان والـممیّزین والـمراهقین.
الثانیة: أنّ الـرزق أعمّ من الأرزاق الـمادّیّـة.
الثالثة: الإنفاق یکون أعمّ من کونـه بنحو الـمباشرة والـتوکیل والإیصاء، ولعلّ قولـه تعالیٰ: «وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناکُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَ أَحَدَکُمُ الْمَوْتُ» ناظر إلـیٰ الـوصیّـة بالإنفاق.
الرابعة: أنّ الـمُنفَق علیـه أعمّ من الـجهات والأشخاص والـمؤمنین
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 435 والـکفّار، وأعمّ من الـتملیک والإیقاف.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 436