إفاضة وإنارة: فی اعتبارات «المنعم»
اعلم أنّ ـ حسب الـتقسیم الـمعروف فی الأسماء الإلهیّـة ـ «الـمُنعِم» من أسماء الأفعال، وحسب ما تحرّر: أنّ جمیع هذه الأسماء ـ فی اعتبار ـ من أسماء الـذات، وفی اعتبار آخر تنقسم إلـیٰ الأسماء الـثلاثـة: الـذات والـصفـة والـفعل، وربّما یُعَدّ الاسم الـواحد ـ باعتبار اختلاف الآثار فی مختلف الـنشآت ـ من الأسماء الـثلاثـة أو الأخیرتین منها، ومن تلک الأسماء ـ حسب ما یأتی منّا تفصیلـه فی أوائل سورة الـبقرة إن شاء اللّٰه تعالیٰ اسم «الـمنعم»، فإنّ من ظهوره یتجلّیٰ الأعیان الـثابتـة فی الـنشأة الـعلمیّـة، ویتقدّر الأشیاء بقدرها، ومن تجلّیـه الآخر تظهر الأشیاء فی الـنشأة الـعینیّـة، فهو تعالیٰ منعم بالإنعامین: الإنعام بفیضـه الأقدس والإنعام بفیضـه الـمقدّس، والإنعام الـثانی ظهور الإنعام الأوّل؛ وتجلٍّ عینیّ لـتجلٍّ علمیّ.
وفی اعتبار أنّ «الـمنعم» من اعتبارات الـذات فی الـمرتبـة الـواحدیّـة، کعلم الـذات بالأسماء والـصفات؛ ضرورة أنّ وصف الإنعام الـذاتی وإن لا ینتزع من الـذات بما هی هی، ولکنّـه یُنتزع منها باعتبار الـتجلّی الأوّل بصدور الـفیض الأقدس، فهو منعم فی تلک الـمرحلـة وذلک
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 215 الـمقام، وحیث إنّ «الـمنعم» من توابع اسم «الـقدیر» الـذی هو من الاُمّهات الأسمائیّـة، فلا یکون بنفسـه من الأوصاف الـکمالیّـة الـذاتیّـة، بل هو من الأوصاف الانتزاعیّـة الـقهریـة من غیر لـزوم نقص فی الـذات، ثمّ استکمال لها بذلک الـوصف، وللمسألـة طور آخر یطلب من محالّـه.
ولأجل أنّ الـنعمـة عامّـة وخاصّـة ـ کنعمـة الـوجود وکمالاتـه الـوهمیّـة، وکنعمـة الـمعرفـة وکمالاتها الـحقیقیّـة ـ یکون هذا الاسم من الأسماء الـرئیسـة، بل فی اعتبار جامعاً لـلاسمین «الـرحمن والـرحیم»، ولکن قد عرفت عموم کلّ واحد منهما من قِبَل الـذات الـمقدّسـة، وهکذا إنعامـه بالکمالات الـحقیقیّـة عامّ من ناحیـة الـذات الأحدیّـة، وإنّما الاختلاف فی کیفیّـة الاستعدادات والـقوابل، «أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِیَةٌ بِقَدَرِهَا».
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 216