المطلب السابع
حول ما یقال فی وجه تقدیم «المغضوب علیهم»
قد یقال فی وجـه تقدیم «الـمغضوب علیهم» علیٰ «الـضالّین» وجوه:
أحدها: أنّ زمان الـمغضوب علیهم مقدّم علیٰ زمان الـضالّین؛ لـتقدّم
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 192 عصر الـیهود علیٰ الـنصاریٰ.
ثانیها: أنّ الإنعام یُقابَل بالانتقام، ولا یقابل بالضلال.
ثالثها: أنّ الـیهود أشدّ فی الـکفر والـعناد، وأعظم فی الـخبث والـفساد، وأشدّ عداوة لـلذین آمنوا، ولا ضُرِب علیهم الـذلّـة والـمسکنـة، وفی الـحدیث: «من لـم یکن عنده صدقـة فَلْیلْعن الـیهود».
رابعها: أنّ رعایـة رؤوس الآی اقتضت تقدیمـه علیٰ «الـضالّین».
وأنت قد عرفت فیما سبق منا: أنّ هذه الـتخیّلات الـباردة تعارض بالتخیّلات الـباردة الاُخریٰ نوعاً، فلنا أن نقول: کان ینبغی تقدیم «الـضالّین» علیٰ «الـمغضوب علیهم» لـوجوه:
أحدها: أنّ الضلال سبب الغضب، وإلاّ فلامعنی_' لأن یصیروامغضوباً علیهم.
ثانیها: أنّ الـضلال هو الـحدّ الـمتوسّط بین الـغضب والإنعام، فینبغی أن یوافق الـوضعُ الـطبعَ.
ثالثها: قیل: إنّ الـنصاریٰ أسوأ حالاً من الـیهود؛ لـقولهم بالتثلیث، وهذا لا یقاوم قول الـیهود: بأنّ «یَدُ اللّٰهِ مَغْلُولَةٌ»، فإنّـه قول الـمفوّضـة من الـمسلمین، ولا قولهم: «إِنّ اللّٰهَ فَقِیرٌ وَنَحْنُ أَغْنِیَاءُ» وقد ذهب من الـمسلمین إلـیٰ أنّـه تعالیٰ ظالم، ولا یعتبر عدالـتـه، ولا قولهم: «عُزَیْرُ ابْنُ
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 193 اللّٰهِ» وإنّ جمعاً من الـمسلمین یقولون بتجسّمـه تعالیٰ.
وإنّی لـست فی موقف تصدیق هذه الـوجوه أو تلک، بل مقصودنا الإیماء إلـیٰ أنّ هذه الـلطائف الـوهمیّـة غیر واقعیّـة.
نعم الـوجـه الـرابع ـ حیث إنّ الـکتاب کتاب الـبلاغـة والـفصاحـة ـ قویّ جدّاً، ولا داعی إلـیٰ ابتکار الـوجوه واختلاق الـمحسّنات.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 194