المبحث الرابع
حول مسألة سبق القدرة علیٰ الفعل
ربّما یمکن لـلمستدلّ أن یتوهّم: أنّ هذه الآیـة الـکریمـة تدلّ علیٰ مقالـة الأشعریّـین فی بحث حقیقـة الـقدرة، وأنّها لـیست قوّة سابقـة علیٰ الـفعل، بل لـها الـمعیّـة، خلافاً لـلحقّ الـذی لا ریب فیـه، وهو تقدّمها علیـه؛ وذلک لأنّـه لا معنیٰ لـطلب الـمعونـة منـه تعالیٰ؛ لأنّـه قد خلقها فیهم قبلـه.
وبعبارة اُخریٰ وکلمـة وُضحیٰ: أنّ هذا الـطلب بعد صدور الـعبادة منـه لغو، ونفس هذا الـطلب کاشف عن سبق إعانتـه علیـه بإعطائـه الـقدرة،
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 37 فیکون الـدعاء مستجاباً قبلـه، وهذا ضروریّ الـفساد، فإنّ الاستجابـة بعد الـدعاء.
أقول: أوّلاً: إنّ الـقواعد الـعقلیّـة الـواضحـة لا تفسد ولا تبطل بالظواهر ولا بالنصوص.
وثانیاً: إنّـه یکون طالباً لـلمعونـة بالنسبـة إلـیٰ غیر هذا الـفعل، أو غیر ما صدر منـه بالضرورة؛ لأنّـه بعد وقوع الـفعل لا معنیٰ لـطلب الإعانـة، فیکون علیٰ هذا طلبـه متوجّهاً إلـیٰ ما یصدر منـه، أو متوجّهاً إلـیٰ إبقاء الـقدرة الـسابقـة حتیٰ یتمکّن من الأفعال والأقوال.
وثالثاً: إنّ إعطاء الـقدرة من الـعلل الـواقعـة فی سلسلـة الـمقتضیات الأصلیّـة، وأمّا طلب الإعانـة فهو یرجع إلـیٰ دفع الـمضادّات الـوجودیّـة، أو الإعانـة علیٰ إیجاد الـمقتضیات غیر الأصلیّـة، مثل إعطاء الـعصا لـضرب الـعدوّ.
وأمّا مسألـة استجابـة الـدعوات قبل الـدعاء، فهی صحیحـة لا مانع من الالتزام بها؛ لأنّ الأدعیـة تقع علیٰ الألسنـة الـمختلفـة، ومنها دعاء الـذات، مع أنّ الـکریم کلّ الـکریم أن یسبق إلـیٰ الإجابـة إذا کان یعلم بالدعاء الـمتأخّر.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 38