البحث الثالث
حول عدم تعدّد النفس
من الـبحوث الـمحرّرة فی الـفنّ الأعلیٰ: هو أنّ لکلّ بدن نفساً واحدة، وأنّ الـقویٰ الـتی تنشعب منها تنشأ منها وترجع الـیها. وفی تعبیر آخر: هی شؤون ذاتها وتفاصیل هویّتها.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 199 وقد خالـف أرباب الـمعقول جماعـة من الأخسرین أفکاراً، وظنّوا أنّ الإنسان مرکّب من نفوس ثلاثـة بینها نحو ارتباط غیر جوهری.
ومنشأ اعتقادهم: أنّهم رأوا أنّ فی الإنسان آثاراً مختلفـة وأفاعیل متشتّـتـة وخواصّ وحرکات کثیرة متفاوتـة، والـکثیر لا یصدر عن الـواحد، فلابدّ من الاعتقاد بکثرة الـعلل بعد اتّفاق أفاعیلها فی الـوحدة الـنوعیـة، وبلوغها الـیٰ ثلاثـة أنواع، کالـحرارة، والـبرودة، والـجذب والـدفع؛ ممّا یصدر مثلها من صور الـعناصر، فهی طبعیـة، وتکون من الأجزاء الإنسانیـة. وهناک نفوس ثلاثـة اُخر: نباتیـة، وحیوانیـة، وإنسانیـة، لاختلاف الأفعال والـحرکات الـمسانخـة معها الـصادرة عنها.
وأنت خبیر: بأنّ الآیـة الـشریفـة تؤمی الـیٰ خلاف هذه الـمقالـة الـواضح فسادها، فإنّ فی إتیان «الـقلب» بشکل الـجمع، وإتیان «الـسمع» بعده بشکل الـمفرد، دلالةً علیٰ أنّ الـقلوب الـمذکورة بلحاظ الآحاد من الأفراد، وأنّ لکلّ فرد قلباً واحداً، لا قلوباً کثیرة، وإذا کان الـمراد من الـقلب هی الـنفس ـ کما عرفت فی بحوث الـلغـة ـ یظهر أنّ کلّ إنسان ذو قلب واحد ونفس فاردة، ویأتی تفصیلـه فی ذیل قولـه تعالـیٰ فی سورة الـدهر: «هَلْ أَتَیٰ عَلَیٰ الإِنْسَانِ حِینٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ یَکُنْ شَیْئاً مَذْکُوراً»الـیٰ قولـه تعالـی: «إِمَّا شَاکِراً وَإِمَّا کَفُوراً» ـ إن شاء اللّٰه تعالـیٰ ـ فإنّ فی هذه الآیـة بسط الـمباحث الـعقلیـة الإلهیـة والـعقلیـة الـطبـیعیـة.
وأمّا الـتمسّک بقاعدة امتناع صدور الـکثیر عن الـواحد، فهی لو کانت
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 200 مأخوذة علیٰ إطلاقها، فلابدّ من أن یکون الإنسان مرکّباً من الـنفوس غیر الـمتناهیـة مثلاً؛ لأنّ الأفعال الـشخصیـة الـمتکثّرة [تقتضی ]الـعلل الـکثیرة.
وإن کانت هی الـقاعدة الـمحتاجـة الـیٰ ضمّ الـبراهین الـیها، فمصبّها ـ حسب ما تحرّر ـ مخصوص بالـواحد الـمتوحّد بالـوحدة الـشخصیـة الـحقّـة الـحقیقیـة الأصیلیـة، وفی جریانها فی الـوحدة الـظلّیـة إشکال، وأمّا سائر الـوحدات فهی لا تقتضی وحدة الأثر، فضلاً عن الـوحدة الـنوعیـة والـجنسیـة، وفی ذلک کفایـة لأهلـه، والـعذر من الـجاهل بها مقبول إن شاء اللّٰه تعالـیٰ.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 201