کتاب المزارعة
و هی المعاملة علی أن تزرع الأرض بحصّة من حاصلها.و هی عقد یحتاج إلی إیجاب من صاحب الأرض-و هو کلّ لفظ أفاد إنشاء هذا المعنی،کقوله:
«زارعتک»أو«سلّمت إلیک الأرض مدّة کذا علی أن تزرعها علی کذا»،وأمثال ذلک-وقبول من الزارع بلفظ أفاد ذلک کسائر العقود.والظاهر کفایة القبول الفعلی بعد الإیجاب القولی؛بأن یتسلّم الأرض بهذا القصد.ولا یعتبر فی عقدها العربیة،فیقع بکلّ لغة.ولا یبعد جریان المعاطاة فیها بعد تعیین ما یلزم تعیینه.
(مسألة 1): یعتبر فیها زائداً علی ما اعتبر فی المتعاقدین من البلوغ، والعقل،والقصد،والاختیار،والرشد،وعدم الحجر لفلس إن کان تصرّفه مالیاً، دون غیره کالزارع إذا کان منه العمل فقط،اُمور:
أحدها:جعل الحاصل مشاعاً بینهما،فلو جعل الکلّ لأحدهما،أو بعضه الخاصّ-کالذی یحصل متقدّماً،أو الذی یحصل من القطعة الفلانیة-لأحدهما، والآخر للآخر،لم یصحّ.
ثانیها:تعیین حصّة الزارع بمثل النصف أو الثلث أو الربع ونحو ذلک.
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 676 ثالثها:تعیین المدّة بالأشهر أو السنین،ولو اقتصر علی ذکر المزروع فی سنة واحدة،ففی الاکتفاء به عن تعیین المدّة وجهان،أوجههما الأوّل،لکن فیما إذا عیّن مبدأ الشروع فی الزرع،و إذا عیّن المدّة بالزمان،لا بدّ أن یکون مدّة یُدرک فیها الزرع بحسب العادة،فلا تکفی المدّة القلیلة التی تقصر عن إدراکه.
رابعها:أن تکون الأرض قابلة للزرع؛ولو بالعلاج و الإصلاح وطمّ الحفر وحفر النهر ونحو ذلک،فلو کانت سبخة لا تقبل للزرع،أو لم یکن لها ماء، ولا یکفیه ماء السماء،ولا یمکن تحصیل الماء له ولو بمثل حفر النهر أو البئر أو الشراء،لم یصحّ.
خامسها:تعیین المزروع؛من أنّه حنطة أو شعیر أو غیرهما مع اختلاف الأغراض فیه،ویکفی فیه تعارف یوجب الانصراف،ولو صرّح بالتعمیم صحّ، فیتخیّر الزارع بین أنواعه.
سادسها:تعیین الأرض،فلو زارعه علی قطعة من هذه القطعات،أو مزرعة من هذه المزارع،بطل.نعم،لو عیّن قطعة معیّنة من الأرض التی لم تختلف أجزاؤها،وقال:زارعتک علی جریب من هذه القطعة؛علی النحو الکلّی فی المعیّن،فالظاهر الصحّة،ویکون التخییر فی تعیّنه لصاحب الأرض.
سابعها:أن یعیّنا کون البذر وسائر المصارف علی أیٍّ منهما إن لم یکن تعارف.
(مسألة 2): لا یعتبر فی المزارعة کون الأرض ملکاً للمزارع،بل یکفی کونه مالکاً لمنفعتها أو انتفاعها بالإجارة ونحوها؛مع عدم اشتراط الانتفاع بنفسه مباشرة،أو أخذها من مالکها بعنوان المزارعة،أو کانت أرضاً خراجیة و قد تقبّلها من السلطان أو غیره مع عدم الاشتراط المتقدّم.ولو لم یکن له
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 677 فیها حقّ ولا علیها سلطنة أصلاً کالموات،لم تصحّ مزارعتها؛و إن أمکن أن یتشارک مع غیره فی زرعها وحاصلها مع الاشتراک فی البذر،لکنّه لیس من المزارعة.
(مسألة 3): إذا أذن مالک الأرض أو المزرعة إذناً عامّاً-بأنّ کلّ من زرع ذلک فله نصف الحاصل مثلاً-فأقدم شخص علیه استحقّ المالک حصّته.
(مسألة 4): لو اشترطا أن یکون الحاصل بینهما بعد إخراج الخراج أو بعد إخراج البذر لباذله،أو ما یصرف فی تعمیر الأرض لصارفه،فإن اطمأ نّا ببقاء شیء بعد ذلک من الحاصل لیکون بینهما صحّ،وإلّا بطل.
(مسألة 5): لو انقضت المدّة المعیّنة ولم یدرک الزرع لم یستحقّ الزارع إبقاءه ولو بالاُجرة،بل للمالک الأمر بإزالته من دون أرش،وله إبقاؤه مجّاناً،أو مع الاُجرة إن رضی الزارع بها.
(مسألة 6): لو ترک الزارع الزرع حتّی انقضت المدّة،فهل یضمن اجرة المثل،أو ما یعادل حصّة المالک بحسب التخمین،أو لا یضمن شیئاً؟وجوه، أوجهها ضمان اجرة المثل؛فیما إذا کانت الأرض تحت یده وترک الزراعة بتفریط منه،وفی غیره عدم الضمان،والأحوط التراضی و التصالح.هذا إذا لم یکن ترکها لعذر عامّ،کالثلوج الخارقة أو صیرورة المحلّ معسکراً أو مسبعة ونحوها،وإلّا انفسخت المزارعة.
(مسألة 7): لو زارع علی أرض ثمّ تبیّن للزارع أنّه لا ماء لها فعلاً،لکن أمکن تحصیله بحفر بئر ونحوه صحّت،لکن للعامل خیار الفسخ.وکذا لو تبیّن کون الأرض غیر صالحة للزراعة إلّابالعلاج التامّ،کما إذا کان الماء مستولیاً
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 678 علیها ویمکن قطعه.نعم،لو تبیّن أنّه لا ماء لها فعلاً ولا یمکن تحصیله،أو کانت مشغولة بمانع لا یمکن إزالته ولا یرجی زواله،بطل.
(مسألة 8): لو عیّن المالک نوعاً من الزرع کالحنطة-مثلاً-فزرع غیره ببذره،فإن کان التعیین علی وجه الشرطیة فی ضمن عقد المزارعة،کان له الخیار بین الفسخ و الإمضاء،فإن أمضاه أخذ حصّته،و إن فسخ کان الزرع للزارع وعلیه للمالک اجرة الأرض.و أمّا إذا کان علی وجه القیدیة فله علیه اجرة الأرض وأرش نقصها علی فرضه.
(مسألة 9): الظاهر صحّة جعل الأرض و العمل من أحدهما و البذر و العوامل من الآخر،أو واحد منها من أحدهما و البقیّة من الآخر،بل الظاهر صحّة الاشتراک فی الکلّ،ولا بدّ من تعیین ذلک حین العقد،إلّاإذا کان هناک معتاد یغنی عنه.والظاهر عدم لزوم کون المزارعة بین الاثنین،فیجوز أن تجعل الأرض من أحدهم،والبذر من الآخر،والعمل من الثالث،والعوامل من الرابع؛و إن کان الأحوط ترک هذه الصورة،وعدم التعدّی عن اثنین،بل لا یترک ما أمکن.
(مسألة 10): یجوز للزارع أن یشارک غیره فی مزارعته؛بجعل حصّة من حصّته لمن یشارکه،کما یجوز أن ینقل حصّته إلی الغیر ویشترط علیه القیام بأمر الزراعة،والناقل طرف للمالک،وعلیه القیام بأمرها ولو بالتسبیب.و أمّا مزارعة الثانی-بحیث کان الزارع الثانی طرفاً للمالک-فلیست بمزارعة،ولا یصحّ العقد کذلک.ولا یعتبر فی صحّة التشریک فی المزارعة،ولا فی نقل حصّته،إذن المالک.نعم،لا یجوز علی الأحوط تسلیم الأرض إلی ذلک الغیر إلّابإذنه،کما
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 679 أ نّه لو شرط علیه المالک أن یباشر بنفسه-بحیث لا یشارکه غیره،ولا ینقل حصّته إلی الغیر-کان هو المتّبع.
(مسألة 11): عقد المزارعة لازم من الطرفین،فلا ینفسخ بفسخ أحدهما إلّا إذا کان له خیار،وینفسخ بالتقایل کسائر العقود اللازمة،کما أنّه یبطل وینفسخ قهراً؛بخروج الأرض عن قابلیة الانتفاع بسبب مع عدم تیسّر العلاج.
(مسألة 12): لا تبطل المزارعة بموت أحد المتعاقدین،فإن مات ربّ الأرض قام وارثه مقامه،و إن مات العامل فکذلک،فإمّا أن یتمّوا العمل ولهم حصّة مورّثهم،و إمّا أن یستأجروا شخصاً لإتمامه من مال المورّث ولو الحصّة المزبورة،فإن زاد شیء کان لهم.نعم،لو شرط علی العامل مباشرته للعمل تبطل بموته.
(مسألة 13): لو تبیّن بطلان المزارعة بعد ما زرع الأرض،فإن کان البذر لصاحب الأرض کان الزرع له،وعلیه اجرة العامل و العوامل إن کانت من العامل،إلّاإذا کان البطلان مستنداً إلی جعل جمیع الحاصل لصاحب الأرض، فإنّ الأقوی حینئذٍ عدم اجرة العمل و العوامل علیه.و إن کان من العامل کان الزرع له وعلیه اجرة الأرض،وکذا العوامل إن کانت من صاحب الأرض،إلّاإذا کان البطلان مستنداً إلی جعل جمیع الحاصل للزارع،فالأقوی حینئذٍ عدم اجرة الأرض و العوامل علیه.ولیس للزارع إبقاء الزرع إلی بلوغ الحاصل ولو بالاُجرة،فللمالک أن یأمر بقلعه.
(مسألة 14): کیفیة اشتراک العامل مع المالک فی الحاصل تابعة للجعل الواقع بینهما،فتارة:یشترکان فی الزرع من حین طلوعه وبروزه،فیکون حشیشه
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 680 وقصیله وتبنه وحبّه کلّها مشترکة بینهما.واُخری:یشترکان فی خصوص حبّه؛ إمّا من حین انعقاده،أو بعده إلی زمان حصاده،فیکون الحشیش و القصیل و التبن کلّها لصاحب البذر،ویمکن أن یجعل البذر لأحدهما و الحشیش و القصیل و التبن للآخر مع اشتراکهما فی الحبّ.هذا مع التصریح،و أمّا مع عدمه فالظاهر من مقتضی وضع المزارعة عند الإطلاق الوجه الأوّل،فالزرع بمجرّد طلوعه وبروزه یکون مشترکاً بینهما.
ویترتّب علی ذلک امور:
منها: کون القصیل و التبن أیضاً بینهما.
ومنها: تعلّق الزکاة بکلّ منهما إذا کان حصّة کلّ منهما بالغاً حدّ النصاب، وتعلّقها بمن بلغ نصیبه حدَّه إن بلغ نصیب أحدهما،وعدم التعلّق أصلاً إن لم یبلغ النصاب نصیب واحد منهما.
ومنها: أنّه لو حصل فسخ من أحدهما بخیار،أو منهما بالتقایل فی الأثناء، یکون الزرع بینهما،ولیس لصاحب الأرض علی العامل اجرة أرضه،ولا للعامل علیه اجرة عمله بالنسبة إلی ما مضی.و أمّا بالنسبة إلی الآتی إلی زمان البلوغ والحصاد،فإن وقع بینهما التراضی بالبقاء-بلا اجرة،أو معها،أو علی القطع قصیلاً-فلا إشکال،وإلّا فکلّ منهما مسلّط علی حصّته،فلصاحب الأرض مطالبة القسمة وإلزام الزارع بقطع حصّته،کما أنّ للزارع مطالبتها لیقطع حصّته.
(مسألة 15): خراج الأرض ومال الإجارة للأرض المستأجرة علی المزارع، لا الزارع إلّاإذا اشترط علیه کلاًّ أو بعضاً،و أمّا سائر المؤن-کشقّ الأنهار،وحفر الآبار،وإصلاح النهر،وتهیئة آلات السقی،ونصب الدولاب و الناعور،ونحو ذلک-فلا بدّ من تعیین کونها علی أیٍّ منهما،إلّاإذا کانت عادة تغنی عن التعیین.
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 681 (مسألة 16): یجوز لکلّ من الزارع و المالک-عند بلوغ الحاصل-تقبّل حصّة الآخر بحسب الخرص بمقدار معیّن من حاصله بالتراضی.والأقویلزومه من الطرفین بعد القبول و إن تبیّن بعد ذلک زیادتها أو نقیصتها،فعلی المتقبّل تمام ذلک المقدار ولو تبیّن أنّ حصّة صاحبه أقلّ منه،کما أنّ علی صاحبه قبول ذلک و إن تبیّن کونها أکثر منه،ولیس له مطالبة الزائد.
(مسألة 17): لو بقیت فی الأرض اصول الزرع بعد جمع الحاصل وانقضاء المدّة،فنبتت بعد ذلک فی العام المستقبل،فإن کان القرار الواقع بینهما علی اشتراکهما فی الزرع واُصوله،کان الزرع الجدید بینهما علی حسب الزرع السابق،و إن کان علی اشتراکهما فیما خرج من الزرع فی ذلک العام،فهو لصاحب البذر،فإن أعرض عنه فهو لمن سبق.
(مسألة 18): تجوز المزارعة علی أرض بائرة-لا یمکن زرعها إلّابعد إصلاحها وتعمیرها-علی أن یعمّرها ویصلحها ویزرعها سنة أو سنتین-مثلاً- لنفسه،ثمّ یکون الحاصل بینهما بالإشاعة بحصّة معیّنة فی مدّة مقدّرة.
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 682