الجهة الاُولیٰ : فی شربه
وهذا هو الـمتّفق علیـه، سواء قلنا: بأنّ الـعلم الإجمالـیّ منجّز، أم لا؛ ضرورة أنّ حرمـة ذلک معلومـة بالـتفصیل.
اللهمّ إلاّ أن یقال: هذا غیر ممکن؛ لأنّ حرمـة الـنجس غیر حرمـة شرب الـمغصوب جعلاً ودلیلاً، ولا یرجعان إلـی الـحرمـة الـواحدة.
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الطهاره (ج.2)صفحه 258 نعم، إن قلنا: برجوع الـعنوان إلـی الـجهـة الـتعلیلیّـة، یمکن دعوی الـقطع بالـحرمـة؛ فإنّ شرب هذا الـماء حرام؛ إمّا لأنّـه نجس، أو لأنّـه مغصوب، فیکون الـتردید فی الـعلّـة.
وأنت خبیر بما فیـه؛ فالـحرمـة معلومـة بجنسها تفصیلاً، وبنوعها إجمالاً، وما هو منشأ الأثر هو الـثانی، دون الأوّل.
وعلیٰ هذا، یمکن دعویٰ: أنّ هذا الـعلم لـیس منجّزاً؛ لـما مرّ من أصالة الـحرمـة فی الأموال، فتکون الـشبهـة الـبدویّـة منجّزة، ولاتجری أصالـة الـحلّیـة فی ناحیـة الـغصب، فتکون قاعدة الـطهارة فی الـطرف الآخر بلا معارض، فیجوز شربـه؛ بمعنیٰ أنّـه یجوز شربـه ذاتاً، ولا یکون من شرب النجس، ولایجوز ذلک؛ لأجل أنّـه من الـتصرّف فی مال الـغیر احتمالاً منجّزاً.
وتظهر الـثمرة فی صحّـة الـوضوء؛ فإنّها وإن کان تصرّفـه فیـه بالـتوضّی محرّماً، ولکنّـه صحیح؛ لـعدم تمامیّـة دلیل اعتبار الإباحـة فی صحّتـه وضعاً. ولعلّ لـمثل ذلک اختار الأعلام ـ عفی عنهم ـ ذلک.
وربّما یخطر بالـبال دعویٰ أن یقال: بأنّ تقدّم الـمنجّز زماناً ورتبـة، کافٍ فی إسقاط تأثیر الـمنجّز الآخر مثلاً؛ لـما اشتهر: «أنّ الـمتنجّز لایتنجّز» وأمّا إذا کان مثل ما نحن فیـه فلا؛ ضرورة أنّ الـعلم الإجمالـیّ بالـنجاسـة والـغصبیّـة حصل، ولاتکون شبهـة الـغصبیّـة متقدّمـة علیـه، بل هی من محصّلات الـعلم، ویکون الـعلم قائماً بها، فلا وجـه لـعدم استناد الـتنجیز إلـی
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الطهاره (ج.2)صفحه 259 الـعلم. ومجرّد إمکان أنّ الـشبهـة کافیـة ، لایستلزم قصوراً فیـه.
نعم، إذا فرضنا أنّـه کان یحتمل غصبیّـة الـماء أوّلاً، ثمّ علم إجمالاً بها وبالـنجاسـة، فلک دعویٰ قصوره عن تنجیز جمیع الأطراف.
هذا مع أنّ حدیث «أنّ الـمتنجّز لایتنجّز» ممّا لا برهان علیـه؛ لإمکان استناد الـتنجّز بقاءً إلـی الـعلّتین، لا الـعلّـة الاُولیٰ، والـتفصیل فی مقامـه.
ثمّ إنّ قضیّـة ما نسب إلـی «الـحدائق»: من أنّ ماهو الـموضوع فی خطاب: «اجتنب عن الـنجس» هو الـنجس الـمعلوم، هو أنّـه یجوز شرب هذا الـماء، والـوضوء بـه:
أمّا جواز شربـه، فلعدم تحقّق موضوعـه؛ لا بالـعلم الـتفصیلیّ، ولا بالإجمالـیّ.
وأمّا جواز الـتوضّی ، فلقاعدة الـحلّ؛ بناءً علیٰ ماهو الـمشهور من جریانها فی الـبدویّات.
وبالجملة: لا علم إجمالـیّ بالـتکلیف الـفعلیّ، حتّیٰ یلزم من جریان الاُصول فی الأطراف، مخالـفـة عملیّـة قطعیّـة.
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الطهاره (ج.2)صفحه 260