الوجه الثامن
المناقضة المتوهّمة فی الآیة
یستغرب قولـه فی هذه الآیـة «کُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الـَّذِی رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَ أُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً»؛ لأنّ الـجملـة الـشرطیـه تدلّ علیٰ الـملازمـة الـکلّیـه والاستمرار، وهذا بعید جدّاً، فإنّـه یجوز ذلک مرّة أو مرّات مختلفـة، لا دائمیـة متسلسلـة، ولو انقطع ذلک ولو مرّة یلزم الـکذب؛ لأنّ قضیـة الـملازمـة فی الـقضیـة الـشرطیـه إخباریـة، لا إنشائیـة، نحو قولهم: کلّما طلعت الـشمس فالـنهار موجود، و«کُلَّمَا دَخَلَ عَلَیهَا زَکَرِیَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً»، فإنّـه یصحّ لإمکان أن یأتی عنـده مرّة أو مرّات معدودة، وأمّا ارتزاقهم فی الآخرة فهو دائمیّ؛ أی اُکُلُها دائم، فالـرزق لاینقطع، فقولهم: «هَذَا الـَّذِی رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ» لابدّ وأن لاینقطع مع أنّـه غیـر ممکن تصدیقـه.
أقول:
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 45 یتوجّه علیه أوّلاً: أنّ مفاد أداة الـشرط وکلمـة «کلّما»، لیس الـعموم الأفرادی بالـوضع، فلوکان ذلک یتّفق أحیاناً یصحّ الـتعبیر عنـه بنحو الـقضیـة الـمهملـة الـشرطیـة.
وثانیاً: أنّ فی کلمـة «رُزقوا» مبنیّاً للمجهول حلّ هذه الـمشکلـة؛ لأنّ ارتزاقهم فی الـجنّـة ربّما یکون من الـخدّام والـغلمان والـملائکـة، أو یتصدّون بأنفسهم لذلک، وأمّا إذا کان الارتزاق من ناحیـة خاصّـة من تلک الـنواحی الـمختلفـة «قَالُوا هَذَا الَّذِی رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ».
وثالثاً: أنّ فی تنکیر «رِزْقاً» إشعاراً بأنّ هذه الـمقالـة عقیب الـرزق الـخاصّ، لامطلق الـرزق، وهکذا فی تنکیر «ثمرة».
ورابعاً: لیس مقالـتهم الـقول اللفظی، بل هو أعمّ من الـخطور بالـبال والـمرور بالـخیال والـعبور عن الـعقول، والالتزام بذلک ممکن لابأس بـه.
وخامساً: یمکن أن تکون هذه الـقضیّـة الـشرطیـة، حاکیـة عن شأنهم وإمکان ذلک وصالـحیـة الـقضیـة وقابلیـة الـمورد، دون الـفعلیـة والـواقعیـّة الـخارجیـّة، فإذا کانوا بحسب الـقابلیـة علیٰ هذا الـتلازم یصحّ الـتعبیر عنـه بتلک القضیّة الشرطیة.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 46