المرحلة الثالثة : نظریة المسلمین فی خلق آدم
ذهب الـمنتحلون إلـی الـدیانات الـسماویـة فی خصوص آدم الأوّل: إلـیٰ أنّـه خلق جدید غیر متبدّل عن حیوان قبلـه، بل الـتزموا بأنّـه ممّا خلقـه الله أوّلاً، ثمّ خلق سائر الأفراد من هذا الـخلق؛ حتّیٰ ذهبوا إلـیٰ أنّ الاُم الاُولیٰ خُلِقت بإذن الله تعالـیٰ، واعتقد الأئمّـة من الـمسلمین بأجمعهم: أنّ الـمستفاد من الـکتاب الإلهی أنّ آدم الأوّل خلق فی الأرض من غیر أب ولا اُمّ، وعلیـه
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 246 الأخبار الـمتواترة والـروایات الـمتعاضدة؛ ممّا لا یکون للعقل إلـیـه سبیل، فیکفی لهم الـتنزیل الـمصدّق عندهم، ولا یصدّقهم غیرهم؛ لعدم الإذعان لکتبهم الـسماویـة.
وربّما یظهر من الـفلاسفـة الإسلامیـّین: أنّ الأنواع مخلوقات أصلیـة استقلالیّـة، ولا یرجع أحد الأنواع إلـیٰ الـنوع الآخر، وقد مرّ أنّـه لا تنافی بین تلک الـمقالـة ومقالـة الـتطوّر؛ لإمکان کون الـتطوّر علیٰ وجـه یستند الأنواع الـمختلفـة إلـیٰ الـنوع الـواحد، وأمّا حدیث أرباب الأنواع وربّات الـطبائع الـنوعیـة، فهو یستدعی وجود الـطبیعـة فی عالَم الـمادّة، وأمّا أنّها فی الأرض أو فی موطن آخر، فهو أجنبیّ عن الـبحوث الـعقلیـة الـصِّرفـة. نعم إنّ الـفلاسفـة لمکان إذعانهم للهیئـة الـفاسدة الـبطلمیوسیـة، ابتُلوا بمشاکل مختلفـة لا تنحلّ إلاّ بعد انحلال أصل الـمقالـة، کما تحرّرنا منّا فی «قواعدنا الـحکمیـة» فی الـفسلفـة الإلهیـة.
والـذی هو الأصوب فی اُفُق الـقواعد الـعقلیـة والأقرب إلـیٰ مقتضیات الـبحوث الـعلمیـة ـ لولا قیام الأدلّـة الاُخریٰ الآتیـة ـ: أنّ آدم الأوّل فی الأرض مستند إلـیٰ آدم آخر إلاّ أنّـه لم یکن فی الأرض، ویجوز أن یکون قادماً من الـکرات الـسماویـة والـسماوات الـسُّفلیـة والـعُلْویـة؛ لأجل تمدّنهم وحضارتهم الـعالـیـة... وهکذا. وقد أشرنا إلـیٰ جواز أزلیـة الأنواع، إلاّ أنّ أبدیـة الأنواع قطعیـة، إلاّ أنّ محیط الـمعاش وقطر الـحیاة یختلف فَلَکاً وسماء وأرضاً وفضاء... وهکذا.
وتوهّمُ: أنّ الـعالَم لم یکن ثمّ کان، فاسدٌ، للزوم منع الـفیض الـغیر الـمتناهی، فعالَم الـمادّة علیٰ الإجمال باقٍ وأزلیّ، إلاّ أنّ ما هو الأبدی معنیً
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 247 کلّیّ لا شخصیّ، وما هو الأزلی أیضاً نوع وکلّیّ لا شخصیّ، بخلاف أبدیّـة الله تعالـیٰ وأزلیّتـه، ومادّة کلّ صورة فی الـعالـم قائمـة بتلک الـصورة الـشخصیـة وإن کانت هذه الـصورة الـشخصیـة مرهونـة بوجود الـمادّة الـسابقـة الـفانیـة الـقائمـة بصورة اُخریٰ... وهکذا، وهذا ممّا لا ینبغی خفاؤه علیٰ ذوی الـعقول والأنظار.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 248