وعلی مسلک العارف الربّانی
«وإِذْ قَالَ رَبُّکَ» معرباً هذا الـقول والـمقاولة عما سلف فی الـنشأة الـواحدیـة؛ نظراً إلـیٰ أنّ الـربوبیـة من الـصفات الـمعربـة عن الـذات الـجامعـة فی الـرتبـة الـسابقـة «لِلْمَلائِکَةِ»بأعیانهم الـتابعـة للأسماء والـصفات؛ حسب مقتضیاتها، فتلک الـمحادثات والـمجادلات، کانت فی نشأة قبل تلک الـکثرة الـخارجیـة ـ الـذهنیـة والـعینیـة الـخیالـیـة والـوهمیـة ـ الـناشئـة عن الـنسب والإضافات الـمرئیـة بین الأشیاء.
«إِنِّی» بیَدی الـجمال والـجلال وببساطتی الـمطلقـة الـذاتیـة الأحدیـة الـتی لا یُرمز إلـیها إلاّ بضمائر الـبسائط، وأبسط الـضمائر ضمیر الـمتکلّم الـوحدة، فإنّـه أبسط من قولـه تعالـیٰ: «هُوَ الله ُ أَحَدٌ»، فإنّ «هو» کلمتان بخلافـه، ففهم تلک الـملائکـة بأجمعهم، وجمیع الـقویٰ الـوجودیات طُرّاً بحذافیرها، أنّ من تبعات الـجلال ما لا یتمکّنون من تحمّلـه من الـتبعات والآثار والـخواصّ «جَاعِلٌ فِی الأَرْضِ خَلِیفَةً»وهو الـجعل الـمرکّب، لأنّـه ظهور الـکون الـجامع، بعد سبقـه بالأحدیـة الـذاتیـة والـواحدیـة الـجمعیـة، فیکون الـخلیفـة واسمیتـه مورد الـجعل والـظهور، دون ذات الـظهور والـنور، فإنّـه لا یتحمّل الـجعل، ولا یقبل الالتفات الاسمی، فإنّـه
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 283 معنیً حرفیّ فانٍ ومتدلّی الـذات فی تلک الـحقیقـة الإلهیـة، فلا یشار إلـیـه إلاّ بما هو یباینـه ویضادّه ویقابلـه.
«قَالُوا» بالألسنـة الـخمسـة، وفی طلیعتها لسان الـذات من حیث هی هی «أَتَجْعَلُ فِیهَا» وفی تلک الأرض الـمقصودة «مَنْ یُفْسِدُ فِیهَا»؛ لأنّـه مظهر الـجمال والـجلال، فلا یمکن أن یریٰ الـغیر، ویطلب الـرئاسـة والـسلطنـة، فیفسد «وَیَسْفِکُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ» غافلین عن أنّ هذا الـخلیفـة لا یریٰ نفسـه فی قبال ربّـه، ولا ینسب شیئاً إلـیٰ ذاتـه بحذاء ذات الله وإلـه الـعالـم وربّ الـعوالـم، وهم فی وجـه یشبهون إبلیس؛ حیث إنّه رأیٰ غیریـة فی الـعالـم، فقال: «خَلَقْتَنِی مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِینٍ» فهذه الـعین الـثلاثیـة جعلتـه من الـکفّار والـمتکبّرین، وهم رأوا أنفسهم، فقالـوا: «نَحْنُ» فی مقابل قول الله تعالـیٰ: «إنِّی»، وهذا من سوء الأدب جدّاً، وتوهّموا أنّهم یصنعون، وبیدهم الـتقدیس «وَنُقَدِّسُ لَکَ»وهذا من نهایـة الاحتجاب عن نفوذ قدرتـه وقوّتـه وإرادتـه وسلطانـه، فما لهم ـ حینئذٍ ـ جواب استدلالی، ولا یمکن توبیخهم وتثریبهم فی نسبـة الإفساد إلـیٰ الـخلیفـة والـخلیقـة، فإنّـه لیس فی الـدار من دیّار «قُلْ کُلٌّ مِنْ عِنْدِ الله ِ»، ولایمکن توجیههم وتعلیمهم لخلوّهم عمّا هو شرط، فلأجل هذه الاُمور مثلاً: «قَالَ إِنِّی أعْلَمُ مَا لاَتَعْلَمُونَ»ولا یکون شأنهم ذلک.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 284