البحث الخامس
وجوب صلاة الجماعة وکون الرکوع من الفریضة
قد استدلّوا بقولـه تعالـیٰ: «وَارْکَعُوا مَعَ الرَّاکِعِینَ» تارة: علیٰ صلاة الـجماعـة، فما قالـوا: إنّـه لا إطلاق فی أدلّتها، غیر صحیح؛ لإطلاق هذه الآیـة علیٰ جواز مطلق الـجماعـة فی مطلق الـصلوات، إلاّ ما خرج بالـدلیل.
واُخریٰ: بأنّ الـرکوع من الـفریضـة فی الـصلاة لـدلالـة الـکتاب الـعزیز علیـه حسب هذه الآیـة، ولیس من الـسُّنّـة؛ نظراً إلـی ما ورد فی الـخبر: «إنّ السُّنَّة لاتنقض الفریضة» بمعنیٰ أنّ الـصلاة الـجامعـة للفرائض ـ کالـوقت والـطهور والـقبلـة والـرکوع والـسجود ـ لاتبطل بإخلال الـمصلی بسائر الأجزاء والـشرائط إلاّ بدلیل خاصّ.
فاستفادة الـتمیـیز بین الـفریضـة والـسنّـة موقوفـة علیٰ دلالـة الـکتاب الـعزیز، وهذه الآیـة من هذه الـجهـة کافیـة.
أقول: لـو سلّمنا ما اُفید فهو فی حدّ نفسـه یتمّ، ولکن لـمکان سبق الآیات الاُخر الـراجعـة إلـیٰ دعوة الـیهود إلـیٰ الإسلام والـخضوع لـه والإیمان بالـکتاب الـعزیز یشکل الأمر؛ لإمکان کون الأمر متوجّهاً إلـیٰ خضوعهم مع الـناس الـمسلمین، فلایستحیون ویرکعون مع الـراکعین الـخاضعین لـلإسلام.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 557 وعلیٰ هذا لایتمّ الاستدلال الـثانی. ویؤیّدنا قولـه تعالـیٰ: «یَا مَرْیَمُ اقْنُتِی لِرَبِّکِ وَاسْجُدِی وَارْکَعِی مَعَ الرَّاکِعِینَ»، فإنّـه لـیس دعوة إلـیٰ الـجماعـة الـمصطلحـة. واللّٰه الـعالـم.
ولو قیـل : لا بأس بإطلاق الآیـة، بل عمومها لـجمیع الـمراحل والـمراتب والـموارد.
قلنا: قد حرّرنا فی الاُصول: أنّ الـجمع الـمحلّیٰ بالألف واللام، لایدلّ علیٰ الـعموم الأفرادی إلاّ بمقدّمات الإطلاق، کما علیـه الأکثر، ولو سلّمنا دلالتـه فهو هنا أعمّ من الـجماعـة والـفرادیٰ إذا صلّوا معاً بغیر جماعـة، وعندئذٍ یتمّ الاستدلال الـثانی.
اللهمّ إلاّ أن یقال: إنّـه ناظر إلـیٰ الـرکوع فقط، لا الـرکوع فی الـصلاة، ولکنّـه خلاف الـفرض، وهو الـعموم الـمشمول.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 558