البحث الرابع
حـول انتفاء الحرکة فی الآخرة
من المسائل المحرّرة فی الکتب العقلیة: أنّ الـدار الآخرة لهی الـحَیَوان، ولیست هناک مادّة تحمل الـخبائث والإمکانات الاستعدادیـة، فلاتکون هناک حرکـة وخروج من الـقوّة إلـیٰ الـفعل ومن الـنقص إلـیٰ الـکمال، بل کلّ الأشیاء هناک تـتجلّیٰ علیٰ فعلیاتها الـلائقـة بح الـها، ولا ح الـة منتظرة لها.
ولتحقیق الـمسألـة مقام آخر یُجمع بـه بین مقتضیٰ الـبراهین الـعقلیـة و الـشواهد الـنقلیـة؛ ضرورة أنّ قضیّـة جمع من الآیات والأخبار هی الـحرکـة، وهی لاتعقل إلاّ بحمل الـصورة قوّتها، و الـقوّة الـعرضیـة تنتهی إلـیٰ الـقوّة الـجوهریـة الـمسمّاة ب الـمادّة و الـهیُولیٰ، فتصیر الآخرة دنیا و الـمتقدّم متأخّراً.
نعم قد تحرّر عندنا فی قواعدنا الـحکمیـة إنکار جوهریـة الـهیولیٰ، وقصور الأدلّـة عن إثباتها، وذکرنا: أنّ الـقوّة محمولـة الـصورة الـفعلیـة، ویکون الـترکیب انضمامیاً، وفی الـنشأة الآخرة یمکن أن تکون الـصورة حاملـة الـهیولیٰ، بل الـقوّة و الـفعلیـة من الاُمور الـنسبیـة، ویکون الـواحد
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 131 فعلاً ب الـقیاس إلـیٰ ح الـه الـموجودة، وقوّة الـشیء الآخر ب الـقیاس إلـیٰ ح الـه الآتیـة.
وبالجملة: هذه الآیـة الـکریمـة ـ بناء علیٰ اختصاصها بأحوال الـمنافقین فی الآخرة ـ تکون شاهدة علیٰ انتفاء الـحرکـة فی الـنشأة الـعلیا وفی الآخرة؛ ضرورة أنّ الـرجوع یتقوّم ب الـحرکـة، وإذا کانوا غیر راجعین، ویحکم علیهم بعدم الـرجوع هناک، فیعلم منـه انتفاء الـحرکـة. وعلیٰ هذا تندفع بعض الـشبهات الاُخر.
ولکـن الـشأن أنّ الآیـة أعـمّ حسـب الأظهر وإن ورد فی أخصّیتها الـخبر، فتدبّر.
اللهمّ إلاّ أن یقال: بأنّ الاستدلال الـمذکور یمکن أن یتمّ علیٰ الـقول بالأعمّ أیضاً، فافهم.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 132