المسألة السادسة
حـول کلمة «جعل»
جعَل یجعَل جعْلاً: صنعـه وخلقـه، و الـشیء : وضعـه؛ وبعضَـه علیٰ بعض: ألقاه، وجعل الـقبیح حسناً : صیّره.
ویجیء بمعنیٰ شرع، فیدخل علیٰ الأفعال: جعل ینشد الـشاعر. وربّما تجیء بمعنیٰ ظنّ، نحو جعل الـبصرة الـکوفـة؛ أی ظنّها إیّاها، وبمعنیٰ سمّیٰ، ومنـه: «جَعَلُوا الْمَلاَئِکَةَ الَّذِینَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمٰنِ إِنَاثاً»؛ أی سمّاهم، وبمعنیٰ بیّن. انتهیٰ ما فی الـلُّغـة.
وغیر خفیّ: أنّ کثیراً من الـمعانی الـمزبورة یرجع إلـیٰ الـمعنیٰ الـواحد عند الـدقّـة.
والذی یظهر لی: أنّ معنیٰ جعل ووضع قریب، وفی جمیع الاستعمالات بمعنیٰ وضع.
وما اشتهر من تقسیم الـجعل إلـیٰ الـجعل الـبسیط و الـمرکّب، فهو أمر خارج عن محیط دلالـة الـلفظ، کما تأتی الإشارة إلـیـه.
وما اتّفق علیـه الـنحاة من : أنّ «جعل» قد یکون متعدّیاً إلـیٰ واحد واُخریٰ إلـیٰ اثنین، وما یتعدّیٰ إلـیٰ واحد بمعنیٰ خلق، و الـثانی بمعنیٰ وضع،
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 159 غیر صحیح، فإنّـه إذا قلنا: «جَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ»، ولم یُذکر وصف عقیبـه ـ کما فی الـمثال الـمزبور ـ فهو یفید تبدیل حال الـعدم إلـیٰ حال الـوجود ب الـملازمـة، لا ب الـوضع و الـدلالـة الـوضعیـة، وإذا ذُکر عقیبـه وصف، نحو «وَجَعَلْنَـٰا نَوْمَکُمْ سُبَاتاً * وَجَعَلْنَـٰا اللِّیْلَ لِبـٰاساً * وَجَعَلْنَـٰا الْنَّهـٰارَ مَعَـٰاشاً» فهو أیضاً یُفید تبدیل حال إلـیٰ حال، إلاّ أنّـه من قبیل تبدیل حال وجودی إلـیٰ وجودی آخر؛ أی جعل الـلیل فی حال لم یکن لباساً فی حال صار لباساً، وهکذا، ولذلک نجد أنّ مادّة «جعل» فی مرادفاتـه من سائر الـلغات، یستعمل مطلقاً بمعنیٰ وضع.
ثمّ إنّ اختلاف تعدیتـه ب الـحروف ناشئ من اختلاف الـمعانی الـملقاة، مثلاً فی هذه الآیـة تعدّت بکلمـة «فی»؛ لأنّ بین الأصابع والاُذُن معنیٰ الـظرفیـة والاحتـواء، وفـی قولـه تع الـیٰ: «جَـعَـلَ لَـکُـمُ الْأَرْضَ فِـرَاشـاً» تعـدّت ب الـلام؛ لأنّ الـنظر إلـیٰ إفادة الـفائدة و الـغرض، فیدخلـه لام الـغایـة ... وهکذا.
ثمّ إنّ هذه الـمادّة قد بلغت موارد استعم الـها إلـیٰ قریب من أربعمائـة موردٍ من کتاب اللّٰه تع الـیٰ، وفی جمیع هذه الـمواقف بمعنیً واحد. وقولهم: جعل الـکوفـة الـبصرة، أی ظنّ ، غیر صحیح، فإنّـه أیضاً بمعنیٰ الـوضع، فإنّ من اشتبـه علیـه الأمر یضع الـکوفـة مقام الـبصرة فی الأثر و الـحکم.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 160