الوجه الثامن
حـول عدم ذکر مرجع ضمیر «یجعلون»
ربّما یتوجّـه الإشکال إلـیٰ جملـة «یجعلون» بأنّها خلاف الـفصاحـة والإبانة الـتی ادُّعِیت فی الـقرآن الـکریم، وأنّـه کتاب مبین، فإنّ ذکر الـضمیر بلا مرجع مذکور یورث الإجمال و الـتردّد والاختلاف فی الـفهم، کما اختلفوا.
أقول: الاختلاف ربّما یستند إلـیٰ قصور الـکلام أو تقصیر الـمتکلّم، وربّما یستند إلـیٰ قصور أفهام الـناس، وتقصیر أرباب الـتعلیم و الـتعلّم، وربّما یلزم أن یکون الـکلام ذا وجوه لما فیـه الـخیر الـکثیر، فإنّ اختلاف اُمّتی رحمـة، وعلیـه مدار الـمدارس وبنیان محافل الـبحث و الـتدریب، وعلیـه أعمدة الـحیاة الـعلمیـة الأبدیـة، وأساطین الاجتهاد وإعمال الـرأی بإعمال الـفکرة وتنفیذ الـنظرة.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 184 وأمّا هذه الآیـة فاختلافهم فی مرجع «یرجعون»، لایضرّ بما هو الـمنظور إلـیـه فی الـتمثیل، کما هو الـظاهر لذوی الـبصیرة.
مع أنّ الذی یظهر لی: أنّ قولـه تع الـیٰ: «أَوْ کَصَیِّبٍ» فی حکم «أنّ مثلهم کصیّب من الـسماء فیـه ظلمات ورعد وبرق یجعلون» أی نفس الـمنافقین، لا الـذین یُصیبهم الـصیِّب الـکذائی؛ لأنّ الـمقصود هو تمثیل الـمنافقین بهؤلاء الـناس فی هذه الـح الـة.
ویمکن أن یکون الـمنافقون أنفسهم فی هذه الـح الـة هکذا؛ أی «یَجْعَلُونَ...» إلـیٰ آخره. وهذا فی نهایـة الـلطف وغایـة الـوجازة، وفیـه إفادة أنّ الـمشبَّـه بـه لایلزم أن یکون غیرهم، بل هو عینهم فشُبِّهت ح الـتهم ب الـنظر إلـیٰ إظهار الإسلام ونفاقهم بح الـتهم إذا أصابهم الـصیّب من الـسماء، ولعلّ حذف الـمضاف من صدر الآیـة ـ کما مرّ ـ للإیماء إلـیٰ هذه الـنکتـة أیضاً، وإرشاد إلیٰ أنّ هذه المنقصة و الخوف من الحوادث الـجوّیـة و الکائنات الـسماویـة، من خاصّـة هؤلاء الـناس و الـمنافقین، وأنّهم بحسب التکوین و الـطبع علیٰ هذه الـصفـة متزلزلـة عقائدهم وسخیفـة، فیحذرون فی کلّ حادث غیر منتظر من الموت؛ لما لایعتقدن بالآجال الإلهیة. واللّٰه هو المعین.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 185