البحث الرابع
القدرة علیٰ الشیء المحدث
من الـمسائل الـخلافیـة بین الـمعتزلـة وغیرهم أنّ الـمحدَث قبل حدوثـه مقدور لا بعد حدوثـه، و الـمحقّقون من الـفلاسفـة علیٰ أنّ الـشیء مقدور الـلّٰـه قبل حدوثـه وحال حدوثـه، والآیـة حسب عمومها تدلّ علیٰ أنّ الـشیء الـمحدَث مقدور أیضاً.
وإذا کان هو تع الـیٰ قادراً علیٰ کلّ شیء فلابدّ من أن یکون کلّ شیء قابلاً لتعلّق الـقدرة بـه فنفی الـقابلیـة خلاف عمومها، ولهذا الـکلام منهج علمیّ، وهو أنّ الـشیء الـموجود واجب ب الـوجوب الـغیری، ومناط الـقدرة
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 250 هو الإمکان و الـفقر، و الـوجوب ینافی الـقدرة؛ لأنّـه عین الاستغناء وضدّ الـحاجـة، وهذا نظیر ما تریٰ فی الـعرفیات فإنّ الـفقیر الـسائل یحتاج، فإذا اُجیبت دعوتـه فهو الـغنی غیر الـمحتاج، فجمیع الـموجودات بعد الـوجود شیء، ولا تـتحمّـل الـقدرة ولا تقبل الـسلطنـة ثانیاً.
ولعلّ لأجل هذا الـمنهج من الـکلام قال الـمعتزلی: إنّ الـقدرة ب الـقیاس إلـیٰ الأعدام إخراج من کَتْم الـعدم، وب الـقیاس إلـیٰ الـموجودات إفناء إلـیٰ دار الـعدم، وب الـقیاس إلـیٰ مقدورات غیره تع الـیٰ إیجاد الـمانع وسدّ عن قدرة غیره تع الـیٰ.
و الـجواب: أنّ الامتناع بالاختیار لا ینافی الاختیار والاقتدار، ف الـممکن الـمحفوف ب الـوجوبین ـ الـوجوب الـجائی من قِبَل الـعلّـة، فإنّ الـشیء ما لم یجب لم یوجد؛ و الـوجوب الـلاحق بـه من ناحیـة الـوجود، وإنّ الـشیء إذا وجد وجب ـ هو تحت قدرة الـعلّـة و الـسبب الـتامّ وتحت استیلاء الـوجوب الـذاتیّ؛ لأنّـه بوجوده عین الـتدلّی إلـیٰ علّتـه، فکیف یکون غیر مقدور، مع أنّ الـقدرة الـفعلیـة الـتی هی تجلّی الـقدرة الـذاتیـة تلازم الـماهیـة وتعانقها؛ لأنّ الـوجود الـمعانق للماهیّات الـممکنـة نفس قدرتـه تع الـیٰ الـتی بها ظهرت تلک الأعیان الـثابتـة و الـماهیات الإمکانیـة.
فتحصّل: أنّ قضیـة عموم الآیـة نفوذ قدرتـه تع الـیٰ، وتعلّقها ب الـمقدورات الـموجودة یکون تعلّقاً فعلیاً.
ومن هنا یظهر فساد مق الـة اُخریٰ للمعتزلـة: وهی أنّ مقدور الـعبد لیس مقدوره تع الـیٰ؛ معلّلین بلزوم اجتماع الـقدرتین علیٰ واحد، فإنّ ذلک ب الـنظر إلـیٰ مبناهم الـفاسد، وهو أنّ الـقدرة تلازم الـفعل، فتدبّر.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 251