الإعراب والنحو
قولـه تع الـی: «اَلَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً» صفـة ثانیـة للموصوف الـمذکور فی الآیـة الـسابقـة وقیل: إنّـه صفـة الـصفـة، وهو ـ مضافاً إلـیٰ بطلانـه فی محلّـه ـ لا یصحّ فیما نحن فیـه، فإنّ الـصفـة الاُولیٰ من الـموصولات، و الـموصول لا یوصف، واختلفوا فی محلّ هذه الـصفـة من الـرفع و الـنصب، وعلیٰ الـنصب فی أنّـه منصوب بما سبق أو بالإضمار، أو یکون منصوباً علیٰ الـمفعولیّـة لقولـه «تَتَّقُونَ»وما هو الأقرب هو الـنَّصب علیٰ الـوجـه الـثانی، ویکون وصفاً لقولـه: «رَبَّکُم»، ویحتمل کونـه مفعولاً لقولـه: «اُعْبُدُوا»بحذف حرف الـعطف؛ أی اعبدوا الـذی جعل لکم... إلـیٰ آخره. وفی کون «جَعَل» متعدّیاً إلـیٰ مفعولین، فیکون «فِرَاشاً» مفعولاً ثانیاً أو إلـیٰ واحد، ویکون حالاً، والأوّل أولیٰ؛ لأنّ الآیات الـمتعرّضـة لخلق
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 355 الأرض کثیرة، وهذه الآیـة کأنّها بصدد بیان: أنّ الاُمور کلّها بید اللّٰه جوهرها وعرضها، فجعل اللّٰه لکم الأرض فراشاً، لا أنّ اللّٰه خلق لکم الأرض وکانت الأرض بطبعها فراشاً، فإنّ الافتراش من تبعات الأرض وأوصافها الـتی تقبل الـجعل، کما لا یخفیٰ علیٰ أهلـه.
وغیر خفیّ: أنّ من الـمحتمل أن یکون قولـه تع الـیٰ: «اَلَّذِی» مبتدأ، وخبره قولـه: «فَلاَ تَجْعَلُوا»، ودخول الـفاء علیٰ الـخبر محلّ خلاف، وهذه الآیـة تدلّ علیٰ جوازه، ویکون فصلاً فی تلک الـمسألـة الـنحویّـة الـمختلف فیها، ولکنّ الـشأن أنّ الأمر لیس کما توهّم کما لا یخفیٰ.
قولـه تع الـیٰ: « وَالسَّمَاءَ بِنَاءً» فیـه من الاحتمالات ما مضیٰ، ویحتمل کون الـواو للحال فیُقرأ: «و الـسماءُ» ب الـرّفع، وهکذا « الـبناء».
قولـه تع الـیٰ: «وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً» یحتمل کونـه حالاً، و الـعطف متعیّن، إلاّ أنّـه لیس عطفاً علیٰ قولـه: «جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً» بل معطوف علیٰ قولـه: «جَعَلَ لَکُمُ ... السَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً». وفی کلمـة «من» خلاف: قیل: هو للابتداء، وقیل: هو للتبعیض، ویحتمل أن یکون متعلّقاً بمحذوف؛ علیٰ أن تکون فی موضع الـحال من «ماء» و الـقول بأنّ الـمضاف محذوف ـ أی من میاه الـسّماء ـ غلطٌ، والأقویٰ من بین الاحتمالات أنّـه متعلّق بکلمـة «أنزل»، و الـمراد من « الـسماء» هو معناه الـمعروف، وسیمرّ
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 356 علیک لطف تکرار الـسماء.
قولـه تع الـیٰ: «فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَکُمْ»هذه الـجملـة عطف، وفی حکم الـتعلیل لما سبق، مع غایـة الـدقّـة الـمرعیّـة فی إسناد الـفعل إلـیـه تع الـیٰ، وسیمرّ علیک تحقیقـه ولا تنافی بین کون الإخراج معلول الإنزال، مع کون کلّ واحد من الإخراج والإنزال مستنداً إلـیـه تع الـیٰ، فلا تکن من الـغافلین.
واختلفوا فی کلمـة «من»: فقیل: هی للتبعیض، وقیل: هی للابتداء، وقیل: هی زائدة، وقیل: هی للتبیـین و الـمُبیَّن جملـة «رِزْقاً لَکُمْ» وفی جملـة «رِزْقاً لَکُمْ»احتمال کونـه حالاً، واحتمال آخر: وهو أن یکون مفعولاً لأجلـه أی أخرج بـه من الـثمرات لأجل کونها رزقاً لکم، وهنا احتمال آخر أی أخرج بـه بعض الـثمرات مرزوقاً لکم.
و الـذی هو الأقرب من بین هذه الاحتمالات: أنّ «من» للتبعیض باعتبار تقسیم الـرزق، لا باعتبار خروجها من الـماء؛ أی أخرج من الـماء من الـثمرات ما هو رزق لکم؛ لما أنّ من الـثمرات ما لیس رزقاً لکم، وهذا لا ینافی أن یکون جمیع الـثمرات من الـماء. وسیظهر فی بحوث الـبلاغـة ما ینفعک فی هذه الـمرحلـة من الـبحث.
قولـه تع الـیٰ: «فَلاَ تَجْعَلُوا لِلّٰهِ أَنْدَاداً» الـفاء لإفادة الـغرض
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 357 و الـنتیجـة، ولا بأس بدعویٰ: أنّ الـجمل الـسابقـة تشتمل علیٰ معنیٰ الـشرط؛ أی إذا کان ربُّکم کذا وکذا «فَلاَ تَجْعَلُوا لِلّٰهِ أَنْدَاداً» وقد مضیٰ احتمال کونـه خبراً للمبتدأ الـمزبور، وعن ابی الـحسن: تقویـة ذلک؛ متخیّلاً: أنّ الـرابط تکرار الاسم الـمظهر، وتفصیلـه فی الـنحو، و الـذی یسهّل الـخطب أنّـه کلام معوّج وخارج عن نطاق الأدب.
قولـه تع الـیٰ: «وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» حال من ضمیر «فَلاَ تَجْعَلُوا»، وما فی «روح الـمعانی»: و الـمفعول مطروح؛ أی وح الـکم أنّکم أهل الـعلم و الـمعرفـة و الـنظر وإصابـة الـرأی. انتهیٰ. لا یخلوا عن تأسّف، فإنّ الـجملـة الـح الـیـة لا تخرج عن کونها حالاً، ولو کان الـمحذوف ما ذکره یلزم أن یکون الـجملـة خبراً لمبتدأ محذوف؛ أی وح الـکم أنّکم تعلمون، فلاتخلط.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 358