حکم ما إذا أجاز شخص العقد المتأخّر
وأمّا إذا أجاز شخص الـعقد الـمتأخّر، فقد یقال: بأنّ بالـکنایات یمکن الإنشاء، ولایعتبر عدم تحقّق الإنشاء الآخر بالـمدلول الـمطابقیّ، فها هنا إنشاءات کنائیّـة، وإنشاءات مطابقیّـة؛ من غیر لـزوم استعمال الألفاظ الـکنائیّـة فی الأکثر من معنیً واحد، کما فی الإخبارات الـکنائیّـة.
وفیه: أنّـه یلزم عدم تحقّق الإنشاء بالـنسبـة إلـیٰ مصبّ الإجازة إلاّ بعد تحقّقـه بالـنسبـة إلـی الـسابق والأسبق، وهذا یورث الإشکال الـمتقدّم: وهو الـتعلیق فی الإنشاء، مع عدم إمکان جریان الـجواب الـمشار إلـیـه هنا؛ لـعدم انحلال الإجازة الـشخصیّـة الـجزئیّـة إلـی الإجازات الـعَرْضیّـة، ولا الـطولیّـة.
فإجازة الـعقار بالـدکّان أجنبیّـة عن الـمالـک لـلدار، ولایصیر ذا حقّ إلاّ بعدما صار مالـکاً لـلبستان ثمّ لـلعقار، فیلزم عدم تأثیر إنشاء إجازة بیع الـثالـث إلاّ بعد تحقّق الإنشاء بالـنسبـة إلـی الأسبق والـسابق، وهذا غیر ممکن.
بل یلزم عدم إمکان إجازة الأوّل؛ لأنّ الـمجاز بالأصالـة هو الأخیر، ومبدأ الـسلسلـة مجاز بالـتبع، فإذا لـم یمکن إجازة الـمتأخّر لایمکن الالتزام بکفایـة الإجازة بالـنسبـة إلـیٰ الأوّل، فیصیر لـغواً قهراً.
اللهمَّ إلاّ أن یقال: بأنّ ذلک الالتزام إقرار منـه بالأوّل، وإنشاء لـه بالـنسبـة إلـیٰ مبدأ الـسلسلـة، فیصیر بیع داره بالـبستان صحیحاً فقط؛ لأنّـه
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج. ۲)صفحه 362 الـقدر الـمتیقّن من الإنشاء الـذی أراده من الإنشاء الـمتعلّق بالـمتأخّر، فلیتدبّر.
أقول: هذه الـشبهـة قد أوردها الـمحقّق الـوالـد ـمدّظلّه - علیٰ الـقائلین باعتبار الإنشاء فی الإجازة، وأضاف «بأنّها متوجّهـة إلـیٰ الـقول باعتبار إظهار الـرضا».
وفیه: أنّ الـمراد من «إظهار الـرضا» لـیس مفهومـه الـمصدریّ، بل الـمقصود هو الـرضا الـظاهر، وهو حاصل، فلاتأتی الـشبهـة علیـه.
وأمّا رفع أصلها فهو بالالتزام بتحقّق الإجازة بالـمدلول الـمطابقیّ علیٰ الـتعلیق، وبالـمدلول الـکنائیّ علی الـتنجیز، والـتعلیق ممکن، فإذا قال: «أجزت هذا الـعقد» - أی عقد الـعقار بالـدکّان فی ظرف الـمالـکیّـة، کما هو یرجع إلـیـه قهراً بعد الـتوجّـه إلـیٰ أطراف الـقضیّـة - فهو إجازة تنجیز بالـنسبـة إلـیٰ بیع الـدار بالـبستان بالـکنایـة، وإجازة تعلیق بالـنسبـة إلـیٰ بیع الـبستان بالـعقار بالـکنایـة أیضاً، وإجازة تعلیق بالـنسبـة إلـیٰ بیع الـعقار بالـدکّان بالـمطابقـة.
هذا کلّـه إذا قلنا باعتبار الإجازة الإنشائیّـة، أو إظهارها علیٰ وجـه قیدیّـة الـمعنی الـمصدریّ.
وأمّا علی الـقول باعتبار الـرضا الـظاهر، کما هو الـمختار، أو کفایـة الـرضا الـباطن، کما اختاره الـشیخ الأعظم قدس سره والـوالـد ـمدّظلّهـ
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج. ۲)صفحه 363 فالأمر سهل.
نعم، إذا کان الـمعتبر الـرضا بوجوده الـحدوثیّ، فیشکل تصحیح الـمتأخّر عن رأس الـسلسلـة کما تریٰ، بل ویشکل رأس الـسلسلـة؛ لأنّ الـرضا تعلّق بوجوده الـحدوثیّ.
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج. ۲)صفحه 364