الاُولیٰ : فی إشارة لحقیقة الإرادة
قد تقرّر فی مباحث الطلب والإرادة: أنّ الإرادة من أفعال النفس، ولیست الجزء الأخیر من العلّة التامّة، بل یحصل انفکاک بین المعلول والإرادة فی أفعالنا، وهی حرکة العضلات والقبض والبسط المتصوّر لها، فکثیراً ما نرید شیئاً ـ وهی حرکة العضلة ـ ولاتحصل تلک الحرکة فی الخارج؛ لعدم تمامیّة شرط وجودها فی العضو؛ وهو إمکانه الاستعدادیّ لقبول صورة الحرکة لحصول الرخوة فی الروح البخاریّ مثلاً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 112 ومرّ : أنّ الإرادة لیست هی الشوق المؤکّد ، بل الشوق والاشتیاق من مقولة الانفعال؛ ومن أوصاف النفس، والإرادة فعل النفس؛ وخارجة عن أیّة مقولة حتّیٰ «أن یفعل» لعدم حصولها تدریجاً، بل هی آنیّة الوجود؛ وبعد تمامیّة مقدّمات وجودها وشرائط تحقّقها، فلانطیل الکلام بذکر هذه الاُمور تفصیلاً.
وأیضاً قد تقرّر منّا مراراً: أنّ الإرادة التکوینیّة والتشریعیّة، لاتختلف فی حقیقة الإرادة، ولایکون المراد فیالثانیة متخلّفاً عن الإرادة، بل الإرادة التکوینیّة فی الفاعل، تتعلّق بما یرید إیجاده بتوسّط الحرکة التیتوجد فی العضلات مثلاً، والإرادة الثانیة أیضاً تکوینیّة متعلّقة ببعث العباد إلی المادّة، وهو یحصل بلاتخلّف. وما اشتهر: «من أنّ متعلّق الإرادة التشریعیّة فعل الغیر» من الغلط الواضح.
وتوهّم إمکان دفع الإشکال المتوجّه إلیه ـ بأنّه یلزم التخلّف، مع أنّ الإرادة علّة تامّة فی الفاعل الإلهیّ ـ : بأنّ المراد هو صدور الفعل عنه عن اختیار، غیر تامّ؛ ضرورة أنّ لازم ذلک، صدور الفعل عنه عن اختیار، ولاتنافی بین ذلک وبین اختیاریّة الفعل، فتأمّل.
فبالجملة : الوجدان حاکم بأنّ ما یریده الشرع والآمر؛ هو البعث نحو المادّة وإن کان یشتاق لفعل الغیر وصدوره منه، أو یطلبه بعد التوجّه الثانی، ولکنّه لایریده؛ لعدم إمکان تعلّق الإرادة بما هو الخارج عن حیطة قدرته، ولا معنی للإرادة التشریعیّة حتّیٰ یقال: بأنّها تکون هکذا، لا الإرادة الفاعلیّة.
نعم، المراد من «الإرادة التشریعیّة» هو أنّ المراد تشریع القانون وبعث الغیر نحو المطلوب، فلاحظ.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 113