الثانیة : حول انفکاک الإرادة الأزلیة عن المراد
قضیّة ما تقرّر فی الکتب العقلیّة: هو أنّ الله تبارک وتعالیٰ نافذة قدرته وإرادته، ولا شیء خارج عن حکومته. وهذا هو الظاهر من الکتاب حینما یقول: «وَالله ُ خَلَقَکُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ» ویقول: «خَالِقُ کُلِّ شَیءٍ» ومن الأشیاء أفعال العباد، وکان ما یعملون ویعبدون هی الصورة التی کانت تصنعها أیدیهم من الخشب، لا مادّة الخشب، فاغتنم وافهم.
وأیضاً تقرّر فی محلّه: أنّه تعالیٰ منزّه عن الحوادث، ولایوصف بها، بل الحوادث کلّها خلائق الله تعالیٰ.
فإذن تحدث مشکلة ومعضلة قویّة: وهی أنّه کیف یمکن استناد المخلوق الزمانیّ فیما لایزال، إلی الموجود الأزلیّ المنزّه من حوادث الصفات، ومنها: الإرادة؟! لأنّ الحوادث الزمانیّة المستندة إلیه تعالیٰ؛ إمّا تستلزم حدوث الإرادة، أو تکون الحوادث قدیمة زماناً، والکلّ ممنوع عقلاً ووجداناً.
وماهو الحجر الأساسی حلاًّ لمثل هذه الشبهة: هو أنّ الإرادة علّیتها تابعة لکیفیّة تعلّقها، فإذا تعلّقت الإرادة بوجود زید فعلاً، فلابدّ أن یتحقّق المراد؛ وهو زید، وإذا تعلّقت الإرادة بوجود زید غداً، فلابدّ أن یتحقّق المراد فیالقطع، فلو تحقّق المراد فی الحال، فقد تخلّف المراد عن الإرادة؛ لأنّها تعلّقت بتلک الکیفیّة، لا بهذه الکیفیّة. فهو تعالیٰ الغنیّ بالذات، یرید فی الأزل خلق زید مثلاً أو فعل المکلّف مثلاً
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 114 فیما لایزال، فتکون الإرادة أزلیّة، والمراد حادثاً فی الزمان المتأخّر؛ وفی عصر کذا.
وأمّا کیفیّة تصویر هذه الإرادة ، وکیفیّة المراد بالذات وبالعرض فی حقّه تعالیٰ، فهی موکولة إلیٰ أرباب الفنّ، ولقد تعرّضنا فی «القواعد الحکمیّة» لقصاریٰ هذه المسائل، ومن شاء فلیرجع إلیٰ ما هناک، وإنّه من مزالّ الأقدام، لایجوز للعالم الاُصولیّ سلوک هذه المسالک الخطیرة؛ لوقوعه فیما لاینبغی، ولایعدّ معذوراً؛ لجهله بجهله.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 115