تتمیم : فی إبطال بعض الوجوه الاُخر المذکورة لنفی المقدّمیة
من البیان المزبور انقدح ما فی الکتب الکثیرة، والوجوه الاُخر المتمسّک بها لإبطال المقدّمیة، التی هی مشترکة فی أخذ العدم شیئاً وموضوعاً للحکم.
ومن تلک الوجوه قولهم: بـ «أنّ عدم الضدّ فی رتبة الضدّ الآخر» فکیف یکون هو مقدّمة للضدّ، والمقدّمة لیست فی رتبة ذی المقدّمة؟!
هذا مع أنّ العدم الذی هو فی الرتبة، هو العدم البدیل، لا العدم الواقعیّ المجامع، وما هو مورد نظر المستدلّ هو العدم المجامع الذی یتخیّل خارجیّته؛ فإنّ ماهو مقدّمة الأمر الخارجیّ، لایکون مفهوماً صرفاً.
وهکذا قولهم بلزوم الدور؛ فإنّ عدم الضدّ لو کان مقدّمة للضدّ، فالضدّ مقدّمة لعدم الضدّ الآخر، بل الثانی أولیٰ، بخلاف الأوّل، إلاّ فی الضدّین لا ثالث لهما کما مرّ، فما فی «الکفایة» غیر راجع إلی التحقیق فی المسألة.
وهکذا ما أفاده العلاّمة النائینیّ: من الحکم بأنّ عدم المعلول فیما إذا کان مستنداً إلیٰ عدم المقتضی، لایستند إلی المانع، وفیما نحن فیه عدم الإزالة یستند إلیٰ عدم إرادته، لا إلیٰ وجود المانع؛ ضرورة أنّ عدم المعلول لاشیء محض لایستند
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 327 إلیٰ شیء مطلقاً حتّیٰ یختلف أنحاء الاستناد فی الرتبة. ولقد اُشغلت صفحات کتب بعض تلامیذه بهذا المعنی المسامحیّ الذی تحرّر فی محلّه: أنّه إطلاق عوامّی؛ لا واقعیّة له.
بل قد عرفت منّا : أنّ المانع فی الواقع والحقیقة، یرجع إلی الاختلال بالشرط المعتبر؛ إمّا فی فاعلیّة الفاعل، أو قابلیّة القابل، ولیس أمراً وراء ذلک حتّیٰ فی التکوینیّات، فضلاً عن التشریعیّات والتدوینیّات، فاغتنم.
ومن العجیب ما فیحاشیة العلاّمة الأصفهانی قدس سره، حیث قال: «فالتحقیق الذی ینبغی ویلیق: هو تسلیم مقدّمیة عدم الضدّ لوجود الضدّ الآخر بنحو التقدّم بالطبع».
ثمّ أضاف : «أنّه لایجدی الخصم؛ إذ لیس کلّ متقدّم بالطبع یجب بالوجوب المقدّمی، کما عرفت فی أجزاء الواجب؛ فإنّ الجزء له التقدّم الطبعیّ، لکنّه حیث لاوجود للأجزاء بالأسر وراء وجود الواجب النفسیّ، فلا معنیٰ لإیجابها بوجوب غیریّ زیادة علیٰ وجوبها النفسیّ» انتهی ما أردنا نقله.
وأنت قد أحطت خبراً : بأنّ العدم المجامع ـ وهو العدم الزمانیّ للضدّ ـ مقدّم علی الضدّ، ولکنّه لیس له المقدّمیة لوجود الضدّ بالضرورة، وما هو مقصودنا هو إثبات مقدّمیة العدم للوجود، وهو مستحیل.
وعلمت فی محلّه : أنّ الأجزاء الداخلیّة داخلة فی محطّ البحث عن وجوب
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 328 المقدّمة، مع أنّ هذا العدم من أجزاء علّة الواجب، لا من أجزاء الواجب.
فبالجملة : لایتمّ ما أفاده القوم فی إبطال المقدّمة الاُولیٰ، مع أنّها باطلة بالضرورة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 329