المسلک الثانی ما لبعض آخر بتقریب منّا
وهو أنّ الأمر لا یتعلّق إلاّ بالطبیعة، کما تقرّر سابقاً وتحرّر، فإذا أمر المولیٰ بإزالة النجاسة من المسجد، فما هو المأمور به طبیعة کلّیة، ولیست الخصوصیّات الخارجة عن الملاکات، داخلة فی حدود المأمور به، ولاینبسط علیها الأمر.
وهکذا إذا أمر بالصلاة من أوّل الظهر إلی الغروب، فالمأمور بها صلاة مقیّدة بالوقت المحدود بالحدّین، کلّیة قابلة للانطباق علی الأفراد الطولیّة، ولایکون التخییر شرعیّاً بالضرورة.
فإذا توجّه التکلیف بالإزالة فی الوقت المحدود للصلاة، وکان أهمّ ، فإنّه لایستلزم سقوط الأمر بالنسبة إلی الصلاة حال التزاحم؛ لأنّ ماهو مورد الأمر لایزاحم الإزالة، وما یزاحم الإزالة لیس مورد الأمر.
نعم، إذا ضاق وقت الصلاة، فضیق الوقت وإن کان لایورث انقلاباً فی الأمر، ولا فی متعلّقه، ولا یصیر الواجب الموسّع مضیّقاً، ولکن لایعقل للمولی الملتفت إرادة الصلاة؛ للزوم الجمع بین الضدّین، وهو ممتنع، فتأمّل.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 340 أقول : ما نسب إلی المحقّق الثانی قدس سره من التفصیل السابق مخدوش؛ وذلک لأنّ الخطابات الشرعیّة، إن کانت تنحلّ بحسب الآحاد والأفراد إلی الخطابات الجزئیّة والشخصیّة، وتنحلّ بحسب حالات الأفراد، کالعجز والقدرة، کما هو الرأی العام، فکذلک هی تنحلّ بحسب أجزاء الزمان فی الواجبات الموسّعة؛ وذلک لأنّ المولیٰ إذا سئل فی حال المزاحمة عن وجوب الصلاة والإزالة معاً، وعن فعلیّة أحدهما أو کلیهما، فلایتمکّن من أن یجیب بالنسبة إلیٰ تلک اللحظة: «بأنّ کلیهما منجّز وجوبه» فیتعیّن الأهمّ، ویکون المهمّ بلا أمر.
وهذا الانحلال العقلیّ لایستلزم کون التخییر شرعیّاً، کما هو غیر خفیّ علیٰ أهله.
فبالجملة : یقتضی انحلال الخطاب بحسب حال المکلّف، وعدم إمکان خطاب العاجز، امتناع الخطاب فی أثناء الوقت بالنسبة إلی الصلاة؛ لأنّ لازم طلب الأهمّ صرف القدرة فیه، وعند ذلک یمتنع ترشّح الإرادة بالنسبة إلی المهمّ.
وهذا معنیٰ قولهم : «الممتنع الشرعیّ کالممتنع العقلیّ» لأنّه یرجع إلی الامتناع بالغیر، فهو کالممتنع بالذات عقلاً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 341 وغیر خفیّ : أنّه لایتوقّف جواز الأمر بالمهمّ حال التوسعة، علیٰ کون الأوامر متعلّقة بالطبائع، بل ولو کانت هی متعلّقة بالأفراد یمکن توهّم إمکانه؛ لأنّ معنیٰ تعلّقها بالأفراد لیس هو تعلّقها بالخارج؛ فإنّه واضح الفساد، ضرورة أنّ الفرد الخارجیّ للمأمور به وافٍ بالغرض، ولا داعی إلیٰ تحصیله، فلو قال المولیٰ: «أزل فوراً» وقال: «أوجد فرداً من الصلاة من أوّل الزوال إلی المغرب» یجوز توهّم إمکانه؛ لسعة الوقت، ولکفایة القدرة المهملة لتکلیفه فعلاً فی تمام الوقت.
فبالجملة : ماهو السرّ لتوهّم الإمکان لسعة الوقت، وماهو الحجر الأساس لبطلان التوهّم المزبور، انحلال الخطاب حسب أجزاء الزمان.
نعم، بناءً علیٰ ماهو الحقّ؛ من عدم انحلال الخطاب القانونیّ إلی الخطابات حسب الأفراد والحالات، ولا بالنسبة إلیٰ أجزاء الزمان، فیمکن تصویر الأمر بالمهمّ فی عَرْض الأمر بالأهمّ مطلقاً؛ موسّعین کانا، أو مضیّقین، وسیأتی تفصیله من ذی قبل إن شاء الله تعالیٰ.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 342