إیقاظ وإفادة : حول أنّ مفاد الصیغة هل هی الحرمة أم لا؟
لاشبهة فی أنّه فی مورد التحریم بمادّة الحرمة کقوله تعالیٰ: «حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ المَیْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِیرِ» یعتبر الحرمة الشرعیّة، وتتحقّق الصغریٰ بقاعدة «إنّ الله إذا حرّم شیئاً حرّم ثمنه».
إنّما الکلام فی تحقّقها بمادّة النهی وهیئته، فربّما یمکن أن یقال: إنّ التحریم لایمکن استفادته منهما إلاّ بالإطلاق، ومعنیٰ إطلاقهما أنّ الحجّة من قبل المولیٰ تامّة علی التحریم، ولایعدّ الاعتذار عند التخلّف من العذر العقلائیّ، فلو کان مفاد الصیغة أو المادّة هی الحرمة کان لذلک وجه، وإلاّ فلا، وقد مرّ فی باب النواهی: أنّ الأمر حجّة علی العبد، کحجّیة العلم الإجمالیّ والاحتمال فی الشبهات المهتمّ بها، ولا کاشفیّة لها عن الواقع.
وبالجملة: بعد صحّة استعمال مادّة النهی فی موارد التنزیه وهکذا صیغته، لایستفاد منهما التحریم.
أقول أوّلاً: لو کان ما اُفید حقّاً للزم عدم جواز الإفتاء علیٰ طبق الأمر والنهی، ولایجوز أن یفتی الفقیه بوجوب شیء وحرمته؛ لأجل الأمر والنهی، وهذا خلاف الضرورة عند العرف والعقلاء.
وثانیاً: قد تقرّر منّا أنّ حکم العقلاء عند الإطلاق، هو الاستکشاف والاطلاع علیٰ حدود إرادة المولیٰ، وأنّها إرادة إلزامیّة من غیر فرق بین الأمر والنهی، کما
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 94 فصّلناه فی تلک المباحث.
والعجب من بعض أهل الفضل؛ حیث توهّموا أنّه فی مورد النهی تکون الکراهة، وفی مورد الأمر تکون الإرادة!! وهذا لأجل الاغترار بظواهر کلمات أرباب المعقول؛ حتّیٰ مثل صدر المتألّهین فی کتابه الکبیر، مع أنّ الکراهة من انفعالات النفس مقابل الحبّ، والإرادة فعل النفس، وهی تحصل فیمورد الأمر والنهی، وبمادّتهما وصیغتهما یکشف وجودها فی النفس، وبالإطلاق یعلم أنّها إرادة حتمیّة إلزامیّة، فإذن یصحّ اعتبار التحریم من موارد النهی، وتشمله القاعدة بناءً علیٰ شمولها لمعنی أعمّ من الأعیان والأحداث؛ ضرورة أنّ مادّة الحرمة یصحّ تعلّقها بذات الشیء، بخلاف النهی، وتفصیله یطلب من مکاسبنا المحرّمة، وقد تعرّضنا لحدودها فیها، والله العالم.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 95