الجهة الثانیة : فی بیان الفارق بینهما
وهو أوّلاً: أنّ جریان النزاع فی هذه المسألة فی العموم والخصوص المطلقین، محلّ المناقشة جداً، وسیوافیک تحقیقه.
وثانیاً: أنّ النهی فی هذه المسألة نهی فرض أنّه تکلیفیّ، ولا یستتبع النهی التکلیفیّ فساد متعلّقه، بل التحقیق أنّه یقتضی الصحّة، کما یأتی تحقیقه، والنهی المفروض فی تلک المسألة نهی لم یفرض کونه تکلیفیّاً، بل عقدت المسألة علیٰ أن یعرف النهی المتعلّق بالعبادة أنّه یدلّ علیٰ الفساد، أم لا؟.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 123 وبعبارة اُخریٰ: فی تلک المسألة إمّا نقول بأنّ النهی المتعلّق بالعبادة أو المعاملة، یوجب الفساد، فیلزم المشابهة بین المسألتین، وأمّا إذا قلنا: بأنّه لایقتضی الفساد، فلابدّ من عقد هذا البحث؛ والسؤال عن کیفیّة إمکان الجمع بین الأمر المفروض تعلّقه، والنهی غیر الموجب للفساد، فلا یغنی البحث الآتی عن هذه المسألة بالضرورة.
وإن شئت قلت: هذه المسألة من صغریات باب التزاحم، والمسألة الآتیة من صغریات باب التعارض؛ إن بنینا علیٰ أنّ النهی إرشاد إلی الفساد، وأمّا إذا بنینا علیٰ أنّ النهی تکلیف صِرْف، فیکون صغریٰ لهذه المسألة، کما لایخفیٰ.
ومن العجب أنّ الأصحاب حتّی الوالد المحقّق ـ مدّظلّه وقعوا فیما لا ینبغی، فبحثوا أوّلاً عن امتیاز المسائل وما به الامتیاز، ثمّ عن بعض الفروق المذکورة فی الکتب، فأطالوا مالا داعی إلیٰ إطالته!!
وتوهّم بعض آخر منهم: أنّ نتیجة هذه المسألة صغریٰ لتلک المسألة؛ وهو أنّه إن قلنا بالسرایة، فیلزم تعلّق النهی بالعبادة، وأنت قد أحطت خبراً بأنّ مسألة السرایة من الأباطیل.
ولا حاجة إلیٰ تلک البحوث، بل نتیجة تلک المسألة صغریٰ لهذا المسألة؛ وهو أنّه إذا قلنا: بأنّ النهی فی العبادة أو المعاملة لا یکون مفسداً، فیکون تکلیفاً ومستلزماً للصحّة، فیلزم اجتماع الأمر والنهی فی شیء واحد، مع کون المتعلّقین مختلفین، کما هو المعلوم المفروض.
وثالثاً: أنّ النهی لا ینحلّ إلیٰ النواهی کما مرّ، ولو انحلّ فلا یسری إلاّ إلی
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 124 المصادیق الذاتیّة، دون الخصوصیّات الملازمة، کما تحرّر وتقرّر. ومن هذه التنبیهات تظهر مواضع الفساد فی کلمات الأصحاب قدس سرهم.
إن قلت: بناءً علیٰ شمول أدلّة التعارض للعامّین من وجه، فلا یبقیٰ محلّ للنزاع فی المقام.
قلت أوّلاً: هو ممنوع.
وثانیاً: أنّ تعارضهما یکون بالعرض علیٰ تقدیر الامتناع؛ للعلم بکذب أحدهما، وعلیٰ الاجتماع فلا یثبت التعارض بالعرض أیضاً، فتدبّر.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 125