الجهة الثانیة : فی شمول النزاع للأوامر الإرشادیّة
لایختصّ النزاع بکون الأمر والنهی تکلیفیّین، بل یأتی النزاع ولو کان الأمر إرشادیّاً وإعلاماً إلی الصحّة، مثلاً إذا باع المالک العین المرهونة، یقع التخالف بین
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 137 دلیل حلّیة البیع، ودلیل ممنوعیّة الراهن من التصرّف بالعموم من وجه، ویکون مورد الاجتماع التصرّفات الاعتباریّة، فمقتضیٰ دلیل حلّ البیع صحّته، وقضیّة إطلاق المنع من التصرّف حرمته.
وعند ذلک فلأحد یقول: بأنّه کیف الجمع بین رضا المولیٰ بصحّة البیع وترتیب آثارها علیها، وبین النهی عن التصرّف المنطبق علیها؟! وللآخر أن یقول بجواز الاجتماع؛ لاختلاف المتعلّقین.
وتوهّم: أنّ الرضا لا یعتبر فی صحّة المعاملات، بل یکفی عدم الردع بنحو السلب المحصّل، کما عن بعض، فی غیر مقامه، وناشئ عن القصور؛ ضرورة أنّ إظهار عدم الرضا یورث الفساد، ولاتکون الخصوصیّة تحت الإظهار، بل الخصوصیّة راجعة إلیٰ عدم الرضا، فیعلم منه الحاجة إلی الرضا فی صحّة المعاملات؛ ضرورة أنّ المولیٰ الواقف علی الأشیاء لا تخلو حاله من الرضا، وعدم الرضا، أو البغض، وحیث یکون عدم الرضا والبغض بالمعاملة مورثاً لفسادها، فتکون الحالة الثالثة موجبةً لصحّتها.
وبعبارة اُخریٰ: فیموارد النهی عن المعاملات، کما یمکن أن یستکشف بغضه، یمکن أن یستکشف عدم رضاه؛ لأنّه من الممکن النهی عند عدم الرضا، لانتفاء مقتضی الصحّة، فإذن لا یمکن دعویٰ قطعیّة کفایة عدم الرضا للصحّة، کما لا یخفیٰ.
ولأجل ذلک قیل واشتهر: «إنّ عدم الردع مع کون المعاملة بمرأیٰ ومسمع من الشرع، یوجب استکشاف الصحة».
فبالجملة تحصّل: جریان النزاع فیما إذا کان الأمر إرشاداً إلی الصحّة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 138 نعم، لابدّ وأن یکون النهی تنزیهیّاً فی هذه الصورة، أو تحریمیّاً، فإنّه یمکن دعویٰ عدم اجتماعه مع الأمر المقارن مع الرضا القلبیّ غیر القابل للاجتماع مع النهی التنزیهیّ، أو التحریمیّ، ومن هنا یظهر إمکان جریان النزاع فی مورد جعل الحلّیة لعنوان، وجعل الحرمة لعنوان آخر یتصادقان علیٰ واحد.
وأمّا النهی الإرشادیّ غیر التکلیفیّ المتعلّق بعنوان، والأمر الإیجابیّ أو الاستحبابیّ المتعلّق بعنوان آخر، فهو بلا مثال وإن کان یمکن فرضه، کما فی مثل النهی عن بیع الحشرات؛ بناءً علیٰ فساده شرعاً ولو أمکن صحّته عرفاً، وأمر الوالد بالبیع، فإنّ قضیّة وجوب إطاعته، تتنافیٰ مع قضیّة عدم وجوب الوفاء بالبیع وعدم رضا الشرع بتلک المعاملة، ویلزم اجتماع النهی الإرشادیّ مع الأمر، فإنّه ـ ولو لایخلو من المناقشة مثالاً لا یصحّ؛ لما أنّ دلیل وجوب الإطاعة مقیّد بما ورد من أنّه «لا طاعة لمخلوق فی معصیة الخالق» بل النهی الإرشادیّ معناه عدم وجوب الوفاء، ولا یستفاد منه عدم الرضا الملازم للبغض کما لایخفیٰ، وعدم وجوب الوفاء لا یزاحم اقتضاء الأمر المذکور، فتأمّل.
فبالجملة: فی جانب الأمر الإرشادیّ یستکشف الرضا المنافی للتحریم، وأمّا فی جانب النهی الإرشادیّ فلا یستکشف البغض والکراهة، بل مفاده النهی عن عدم ترتّب الأثر شرعاً وعدم وجوب الوفاء.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 139