إیقاظ وإفادة : حول توجیه الوالد المحقّق لما فی «الکفایة»
ربّما یستظهر من السیّد الوالد ـ مدّظلّه توجیه لما فی «الکفایة»: بأنّه ربّما کان فی مقام إبداء الفرق بین هذا المقام ومقام التعارض، دفعاً عمّا یمکن أن یرد علیٰ ظاهر القوم من بنائهم علیٰ إدراج العامّین من وجه فی باب التعارض، فإنّه عند ذلک کیف یمکن إدراجه فی هذه المسألة؟!
وأنت خبیر: بأنّ ما أدرجوه فی باب التعارض، هو ما إذا کانت النسبة عموماً من وجه بین متعلّق المتعلّقین؛ وهو العلماء، والفسّاق، لا فی نفس المتعلّق کما مضیٰ
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 168 بعض الکلام فیه، وما هو محلّ البحث هنا هو المعنی الأعمّ من هذه الصورة وسائر الصور، فلا یتمّ التوجیه المزبور رأساً.
والذی هو الأقرب: هو أنّ هذه المسألة کما مضی تحقیقه، لا تناط بمباحث الألفاظ، ولا تمسّ بها مطلق المساس، فإذا کان الأمر کذلک فلابدّ من الاطلاع علیٰ مرام المولیٰ علیٰ الإطلاق فی مصبّ الأمر والنهی حتّیٰ یمکن نزاع الاجتماع والامتناع.
وبعبارة اُخریٰ: لا بدّ من أحد الاُمور الثلاثة:
إمّا فرض إحراز الإطلاقین والحرمة والوجوب المطلقین.
أو فرض إحراز المحبوبیّة والمبغوضیّة.
أو فرض إحراز المصالح والمفاسد المطلقة فی مصبّ الأمر والنهی بناءً علیٰ مذهب العدلیّة، ویکون کلّ من الاحرازین تامّاً مع قطع النظر عن الآخر.
نعم، إذا أحرزنا الإطلاقین فالامتناعیّ یدّعی: أنّ العقل حاکم بعدم تمامیّة واحد منهما عند التصادق؛ بمعنیٰ أنّ إحراز کلّ واحد من الإطلاقین مع قطع النظر عن الآخر ممکن، ولکن فی المجمع فلا، وإذا أحرزنا المحبوبیّة والمبغوضیّة المطلقین علیٰ عنوان «الصلاة» و«الغصب» فالامتناعی یدّعی: أنّ کلّ واحد مع قطع النظر عن الآخر ممکن، إلاّ أنّ اجتماعهما فی موضوع واحد لا یمکن. وهکذا فی جانب إحراز المصالح والمفاسد.
فالمراد من اعتبار إحراز المصالح والمفاسد، لیس أنّه لابدّ من إحراز المصالح والمفاسد جمعاً فی المجمع، بل المراد ما اُشیر إلیه، ولأجل ذلک یتمسّک
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 169 لبطلان الاجتماع باجتماع المتضادّات فی مرحلة الجعل، وفی مرحلة المناط والملاک الخارجیّ، وفی النفس وهو الحبّ والبغض.
وغیر خفیّ: أنّ «الکفایة» اعتبر أن یکون المجمع علیٰ أی تقدیر داخلاً فی کبریٰ باب التزاحم، إلاّ أنّه علیٰ الاجتماع تصحّ الصلاة علیٰ أیّ تقدیر، ویحرم الغصب أیضاً، وعلی الامتناع تصحّ الصلاة علیٰ تقدیر أقوّائیّة ملاکها، ولا تصحّ علی العکس وإن کانت ذات ملاک ضعیف.
وأنت خبیر: بأنّ قضیّة ما تحرّر فی مسألة الضدّ، أنّ مع سقوط أحد الإطلاقین لأجل الامتناع، لا طریق إلیٰ کشف الملاک فی المجمع؛ لأنّ کشف المناط والملاک من طریق الهیئات، ولا سبیل وراء ذلک.
وإن شئت قلت: نزاع الاجتماع والامتناع موقوف علیٰ إحراز الملاکات والاطلاع علیها، وإحرازها فی المجمع منوط بإمکان الجمع، فالنزاع موقوف علیٰ صحّة الاجتماع، فتدبّر ولایخفیٰ لطفه.
التوهّم السادس :
قد ذکرنا فی بعض بحوث الترتّب: أنّ قضیّة کون الإطلاق جمع القیود هو القول بالامتناع، ومقتضیٰ کونه رفض القیود هی صحّة النزاع.
فهنا بحثان:
الأوّل: أنّ معنیٰ کون الإطلاق جمع القیود؛ هو لحاظ جمیع القیود الممکن
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 170 طروؤها علی الموضوع فی مرحلة الأمر والجعل، واسراء الحکم إلیٰ کافّة اللواحق، وقد صرّحوا: «بأنّ الإطلاق هو إفادة التسویة بقوله: «أکرم العالم سواء کان هاشمیّاً، أو اُمویّاً» وبقوله: «صلّ صلاة غصب کانت، أو صلاة إباحة» وهکذا».
فعلیٰ هذا، لابدّ من القول بالامتناع؛ لوحدة المتعلّق، فإنّ قوله: «صلّ» ینحلّ حسب مقدّمات الإطلاق انحلالاً بدلیّاً إلیٰ جمیع الأفراد والأحوال، ویکون کلّ حال مورد الأمر التخییریّ، وقوله: «لا تتصرّف فی مال الغیر» ینحلّ بهذه الکیفیّة إلیٰ غصب صلاتیّ، وغصب غیر صلاتیّ، فیلزم إمّا وحدة المتعلّق التی مرّ الکلام حولها؛ بناءً علیٰ تعلّق الأوامر والنواهی بالأفراد. بل لا معنیٰ محصول له إلاّ برجوعه إلیٰ ذاک.
أو سقوط النزاع حسبما عرفت فی البحوث الماضیة؛ ضرورة أنّ الأمر التخییریّ المتعلّق بالصلاة الغصبیّة، والنهیَ الانحلالیّ المتعلّق بالغصب الصلاتیّ، وإن اختلفا متعلّقاً فی عالم العنوانیّة، ولکن هما متلازمان، فلاحظ وتدبّر.
الثانی: إذا کان الإطلاق رفض القیود، فلا یلزم شبهة الاتحاد فی المتعلّق بالضرورة، فیأتی النزاع علیٰ شبهاته من الطرفین.
أقول: قد حرّرنا فی محلّه؛ أنّ هذه العویصه تتوجّه إلیٰ أرباب القول: بأنّ الإطلاق جمع القیود، ولایمکن دفعها إلاّ إذا اُرید منه توسعة الموضوع من غیر أن
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 171 یتعدّد الحکم والأمر، وهو خلاف المقصود، بل غیر ممکن کما هو الواضح.
التوهّم السابع :
من المبانی المتوهّم ابتناء هذه المسألة علیها؛ أنّ من الشرائط الآتیة ـ وهو الأصل المقوّم للنزاع وحدةَ الکون، وإلاّ فلا معنیٰ للنزاع، وإذن یبتنی القول بالاجتماع علیٰ جواز عروض العرض علیٰ العرض، والقول بالامتناع علیٰ عدم جوازه؛ ضرورة أنّ التصرّف فی مال الغیر یوجد بعین وجود الصلاة، فیکون قائماً به، ووجود الصلاة وجود عرضیّ لیس جوهریّاً، وقیام العرض بالعرض محال فیمتنع.
أو یقال: إنّ النزاع صحیح علی القول بجواز عروض العرض علی العرض، ولا یصحّ إذا کان ذلک ممتنعاً؛ لأنّه علیٰ تقدیر الامتناع یلزم کون اختصاص کلّ عرض بوجود یخصّه، وإیجاد یختصّ به، وعند ذلک یخرج عن محلّ النزاع؛ لأنّ المفروض فی محلّه وحدة الإیجاد والوجود کما یأتی، بخلاف القول بالجواز، فإنّه علیٰ تقدیره یکون أحد العرضین قائماً بالعرض الآخر، فیکونان موجودین بإیجاد واحد ووجود فارد.
أقول أوّلاً: قیام العرض بالعرض واقع، کما صرّح أهله بقیام الخطّ بالسطح، والسطح بالجسم التعلیمیّ، وقد فصّلنا الکلام حوله فی حواشینا علیٰ طبیعیّات «الأسفار» واستشکلنا فی الأمر، والتفصیل فی محلّه.
وثانیاً: لا ربط لهذه المسألة بتلک البحوث؛ لأنّ الصلاه لیست من الأعراض،
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 172 ولا التصرّف، ولا سائر العناوین المتعلّقة للأمر والنهی إلاّ ما شذّ، وحیث إنّ البحث حول العناوین المختلفة فی مناشیء انتزاعها ولو بالاختلاف اللحاظیّ والاعتباریّ فتسقط هذه البحوث، کما تسقط المبانی المتوهّمة لهذه المسألة من السرایة، والترکیب الاتحادیّ والانضمامیّ؛ بما أنّ الاعتباریّات خالیة عن مثله، فافهم واغتنم.
ومن هنا یظهر: أنّ من صغریات المسألة کما تکون الصلاة فی المغصوب، کذلک تکون الوضوء بالماء المغصوب، وشرب الماء المغصوب إذا کان الشرب علی الإطلاق واجباً وهکذا.
ومن العجیب توهّم الإشکال فی المثالین الأخیرین بإنکار إمکان انتزاع عنوان «الوضوء» والعنوان الآخر الواجب؛ لأنّ ما هو فی الخارج لیس إلاّ التصرّف فی الماء المغصوب!!
وتوهّم صحّة المثال الأوّل؛ بأنّ هناک ماهیّتین قد انضمّتا فی الخارج، حتّیٰ قال بتعدّد الحرکة خارجاً، إحداهما: الحرکة الصلاتیّة، والاُخریٰ: هی الحرکة الغصبیّة، ولا حاجة إلیٰ إفادة ما فی هذه الإفاضات، فتدبّر.
وبالجملة: یبقی الإشکال فیما إذا کان متعلّق الأمر والنهی من المقولتین الحقیقیّتین المحتاجتین إلیٰ إیجاد خاصّ ووجود مخصوص، فإن کانا من قبیل العرضین القائم أحدهما بالآخر ـ کالکیفیّات المختصّة بالکمیات، مثل الاستدارة والتربّع فلا وجه لخروجهما عن محلّ النزاع، وإلاّ فوجه الخروج عدم وحدة الکون المعتبرة فی النزاع، وسیظهر الکلام حول هذا الشرط، فإن أنکرنا شرطیّته الدائمیّة فلا یخرج أیضاً، فانتظر واصبر.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 173
التوهّم الثامن :
قد بنوا الامتناع علی القول بالسرایة، وعلی القول بالترکیب الاتحادیّ، والجوازَ علی القول بعدم السرایة، والترکیب الانضمامیّ.
وأنت قد أحطت خبراً بما فیه؛ ضرورة إمکان الالتزام بالامتناع علی القول بالترکیب الانضمامیّ وعدم السرایة؛ بدعویٰ أنّ التلازم الأحیانیّ یورث امتناع ترشّح الإرادتین فی المجمع کما تحرّر، فتدبّر.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 174