التنبیه السادس فی حکم المضطرّ إلی المحرّم وحکم المتوسّط فی الأرض المغصوبة
وقبل الخوض فی أصل البحث لابدّ من التنبیه إلیٰ نکتة: وهی وجه البحث عن هذه المسألة فی ذیل هذا البحث الکلّی؛ ومسألة الاجتماع والامتناع:
اعلم: أنّ من المحرّر فی البحوث السابقة، اتفاق الکلّ علیٰ عدم جواز اجتماع الأمر والنهی مع کون متعلّقهما واحداً، مع أنّه یلزم اجتماع الأمر والنهی فی المتوسّط فی الأرض المغصوبة؛ إذا کان بسوء الاختیار. وهکذا إذا اضطرّ إلی أکل المحرّم، وکان سبب الاضطرار سوء الاختیار، فلأجل هذه العویصة عنونوا هذه المسألة حتّیٰ یتّضح حکمها، وتتبیّن حقیقة الأمر فیها.
ووجه الاستلزام واضح؛ ضرورة أنّ من دخل فی أرض الغیر بلا إذنه، یکون
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 255 دخوله من التصرّف المحرّم، وإذا أراد الخروج واشتغل به، یکون خروجه من التصرّف فی مال الغیر، فیکون حراماً، ویکون هو أیضاً واجباً إمّا بالوجوب الغیریّ المقدّمی؛ لأنّه مقدّمة لردّ مال الغیر وللتخلّص من التصرّف المحرّم.
أو بالوجوب النفسیّ؛ لأنّ عنوان «ردّ مال الغیر» واجب؛ لقولهم «المغصوب مردود» و«لأنّ الغصب کلّه مردود» کما فی بعض الروایات، فعلیٰ هذا یکون التصرّف الخروجیّ ـ أی عنوان «الخروج» ـ محرّماً وواجباً، وهذا ممّا لایکاد أن یلتزم به أحد.
فما یظهر من المحقّق الوالد ـ مدّظلّه من إنکار الوجوب المقدّمی، فی محلّه، إلاّ أنّ إنکار الوجوب النفسیّ غیر صحیح ظاهراً؛ لأنّ المراد من ردّ «الغصب» لیس الفراغ من الغصب المحرّم، وإلاّ یلزم أن یکون الغاصب فارغ البال إذا غصب المغصوب غاصب آخر،مع أنّه یجب علیه ردّ مال الغیر إلیٰ صاحبه، ومع أنّه خلاف ظاهر الروایة ،ولعلّه مورد فتوی الأصحاب ـ رضوان الله تعالیٰ علیهم ، فعنوان «الردّ» واجب، بخلاف سائر العناوین، کعنوان «ترک الغصب» وعنوان «التخلّص منه» وغیر ذلک ممّا لایقوم علیٰ وجوبه الدلیل الشرعیّ.
إن قلت: «وجه البحث عن هذه المسألة أمر آخر؛ وهو أنّ من المحرّر فی محلّه اعتبار المندوحة فی صحّة النزاع المزبور، وأنّ الصلاة مع المندوحة تصحّ علی الاجتماع، وبقی الکلام حول ما إذا انتفت المندوحة؛ وأنّه هل تصحّ أم لا»؟
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 256 قلت: قد فرغنا من حدیث المندوحة هذا، وأنّ بحث الأعلام هنا حول الحکم التکلیفیّ أوّلاً وبالذات، ثمّ أدرج بعضهم حدیث الحکم الوضعیّ، فلایکون وجه المناسبة إلاّ ما أشرنا إلیه.
ومن هنا یظهر سقوط البحث هنا من صورة الدخول فی المغصوبة لا بسوء الاختیار، فإنّه خارج عن محطّ کلام الأصحاب، وأدلّتهم تشهد علیٰ ما ذکرناه.
إذا تبیّن ذلک، فالکلام فی المقام یقع فی جهتین:
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 257