الجهة الأولیٰ : بیان الحکم التکلیفی للمتوسّط
أمّا الجهة الاُولیٰ فلا کلام هنا فی ناحیة الوجوب؛ وإمکان کون عنوان «ردّ الغصب» واجباً شرعاً نفسیّاً أو غیریّاً إلاّ علی القول بامتناع الوجوب الغیریّ؛ علی الوجه المحرّر فی محلّه، وأمّا هنا فلایختص بوجه.
وأمّا ما عن مثل الشیخ الأنصاریّ، علیٰ ما نسب إلیه فی تقریرات جدّی العلاّمة وتبعهما العلاّمة النائینیّ رحمه الله: «من أنّ الخروج واجب شرعاً» فهو بلاوجه؛ لقصور الأدلّة الشرعیّة عن إثبات وجوب هذا العنوان.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 257 ومن هنا یظهر: أنّ الأقوال الآتیة إذا کانت ترجع إلیٰ إنکار الوجوب علی الإطلاق، أو إثبات وجوب بعض العناوین المشار إلیها، فهی أیضاً غیر ما مرّ ومخدوشة.
وإنّما الکلام فی ناحیة الحرمة؛ وأنّه هل یمکن الالتزام بحرمة التصرّف الخروجیّ، وحرمة أکل المیتة؛ إذا کان یضطرّ إلیه ولو کان بسوء الاختیار، أم لا؟
والذی هو أساس الشبهة: أنّ التحریم یتوقّف علی القدرة علی الامتثال، وإذا کانت هی منتفیة ولو بالاختیار فلایعقل التحریم والزجر، کما فی ناحیة الأمر والبعث، فإذا کان مضطرّاً عقلاً إلی الخروج، فکیف یعقل الزجر عن التصرّف الخروجیّ؛ والمنع عن التصرّف، مع أنّ الفراغ والتخلیة بین المغصوب ومالکه، بالخروج والتصرّف؟! فلایتمکّن المولی الملتفت إلیٰ هذه النکتة من ترشیح الإرادة الجدّیة الزاجرة المتوجّهة إلی العبد المبتلیٰ بذلک ولو کان بسوء الاختیار، کما هو مفروض الکلام، ومحلّ النزاع بین الأعلام.
وبالجملة: قد اختلفوا فی هذه الناحیة اختلافاً شدیداً یبلغ أقوالهم إلی الخمسة، أو الستّة؛ فمن قائل یدّعی الحرمة والوجوب.
ومن قائل یدّعی الحرمة دون الوجوب.
ومن ثالث یعکس الأمر.
ومن رابع یختار عدم الوجوب والحرمة.
ومن خامس ینکر الوجوب والحرمة، ویقول بصحّة العقوبة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 258 ومن سادس یفصّل بین ما إذا کان قصده حال الخروج إفراغ مال الغیر وردّه فیکون حسناً، ولایستحقّ العقوبة، وما إذا لم یکن قصده ذلک.
وإلیٰ کلّ واحد ذهب عین من أعیان الطائفة رحمهم الله.
والذی هو الحقّ إمکان الالتزام بالحرمة والوجوب؛ حسب القواعد الأوّلیة، والأدلّة الواقعیّة الأوّلیة، وإمکان رفع الحرمة؛ حسب الأدلّة الواقعیّة الثانویّة، فیبقی الوجوب علیٰ عنوانه ثابتاً، دون الحرمة، وسیظهر بتفصیل إن شاء الله تعالیٰ.
هذا من غیر فرق بین کون الدخول والابتلاء بالمحرّم بسوء الاختیار، أم کان لا بسوء الاختیار.
ضرورة أنّه إذا لم یکن بسوء الاختیار، لایخرج عن موضوع الأدلّة حسب الواقع؛ فإنّها تمنع عن التصرّف فی مال الغیر؛ عالماً کان أو جاهلاً، وتوجب ردّ مال الغیر؛ عالماً کان أو غافلاً،فلو ابتلی بأکل المیتة، أو بالخروج من الأرض المغصوبة لا بسوء الاختیار.
فأدلّة حرمة أکل المیتة ـ حسب إطلاقها الأوّلی ـ تمنعه عنه، وهکذا أدلّة حرمة التصرّف فی مال الغیر، وأدلّة وجوب حفظ النفس وردّ مال الغیر تبعثه إلیهما؛ لاشتراک الکلّ فی الأحکام الإلهیّة القانونیّة الکلّیة.
نعم، إذا لم یکن بسوء الاختیار، وکان هناک إیجاب شرعیّ لارتکاب مایؤدّی إلیه، فهو کلام آخر مرّ فی بحوث مقدّمة الواجب وفی مسألة الضدّ، ویصیر داخلاً فی بحث التزاحم حسب التحقیق الذی عرفت منّا فی محلّه.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 259 وقد أطال الأصحاب بعضهم فی المقام بذکر صور المسألة وبعض فروعها؛ ممّا لا دخل له فی جوهر البحث وأساس الإشکال والشبهة، فلاتغفل، ولاتغترّ.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 260