البحث الثالث : فی النهی التحریمیّ والمعاملات المحرّمة
والمکاسب الممنوعة
فهل هو یستتبع مطلقاً، أو لا یستتبع شیئاً، أم یفصّل بحسب موارد تعلّقه؛ فإن تعلّق بذات السبب أو بعنوان السبب فلایقتضی، وإن تعلّق بالمسبّب أو بالآثار أو بالتسبّب فیستتبع، أم یختصّ الاستتباع بصورة واحدة؛ وهی ما إذا تعلّق بالآثار والخواصّ، دون غیرها؟
وجوه بل أقوال.
وحیث إنّ الأقوال مختلفة، والاحتمالات کثیرة، فالبحث یقع فی مقامین :
المقام الأوّل : فی مرحلة الثبوت؛ وهو ما إذا کان المفروض کون أحد العناوین المزبورة مورد النهی، فإنّه علیه هل یلزم فساد وحکم وضعیّ، أم لا؟
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 363 والمقام الثانی : فی مرحلة الإثبات؛ وأنّه إذا تعلّق نهی تحریمیّ بمعاملة، فهل الظاهر تعلّقه بذات السبب، أو بعنوانه، أم بسائر الوجوه والعناوین الاُخر؟
وقبل الخوض فیها لابدّ من الإشارة إلی نکتة: وهی أنّ المنسوب إلی الشیخ الأنصاریّ قدس سره تقسیم النهی التحریمیّ المتعلّق بالعبادة إلیٰ ثلاثة:
أن یتعلّق النهی بالمعاملة بما هی فعل مباشریّ، کالنهی المتعلّق بالبیع وقت النداء.
وأن یتعلّق بها بما هو فعل تسبیبیّ، کالنهی المتعلّق ببیع المصحف والعبد المسلم من الکافر، فإنّ المبغوض هی مالکیّة الکافر لهما.
وأن یتعلّق بالأثر، کالنهی عن أکل ثمن الکلب والعَذِرة.
وزاد فی «الکفایة» قسماً آخر: وهو أن یتعلّق بالتسبّب، کالنهی عن التسبّب بالظهار لحدوث الفراق وحصول الطلاق.
أقول أوّلاً : قد مرّ منّا أنّ الأقسام أکثر من ذلک؛ لأنّ من الممکن أن یتعلّق النهی بذات السبب، ویکون المحرّم نفس التکلّم بالألفاظ الموضوعة للإنشاء المعاملیّ. اللهمّ إلاّ أن یقال: إنّه خارج عن النهی فی المعاملات.
ومن الممکن أن یتعلّق النهی بالتسبّب ؛ أی أن یکون المنهیّ التسبّب بالسبب إلیٰ حصول المعنی الإنشائیّ المسبّبی.
کما یمکن أن یتعلّق بالتسبّب بالمعنی الإنشائیّ إلیٰ حصول الأثر والملکیّـة والنقل والانتقال؛ ضرورة أنّ الملکیّة إمّا معلولة المعنی الإنشائیّ، أو تکون من أحکامه العقلائیّة، فیکون ذلک المعنی الإنشائیّ موضوعاً لها، فیتعلّق النهی بالتوصّل
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 364 بالموضوع المزبور لترتّب الحکم المذکور.
وأیضاً : کما یمکن أن یتعلّق النهی بالتصرّف فی الثمن، کذلک یمکن أن یتعلّق النهی بالتوصّل بالملکیة لأجل ترتّب جواز التصرّف؛ ضرورة أنّ جواز التصرّف فی الملک من آثار الملکیّة التی هی من آثار المنشأ الذی هو من آثار الآلات المتوصّل بها إلی الإنشاء.
وثانیاً : کون البیع وقت النداء مثالاً للنهی التحریمیّ ممنوع إثباتاً؛ لقوّة احتمال کونه مترشّحاً عن الأمر المتعلّق بصلاة الجمعة. فعلیٰ هذا تحریم البیع شرعاً غیر قطعیّ، کما یظهر من الاُستاذ السیّد البروجردیّ قدس سره. ولو کان ممنوعاً فما هو المحرّم هو الاشتغال بالأضداد، ولایختصّ ذلک بالبیع، فلایکون من النهی التحریمیّ المتعلّق بالعبادة.
ومن الممکن دعویٰ: أنّ المستفاد من الکتاب لزوم ترک البیع وطرده، فیکون طرده واجباً، وهذا لیس من النهی. ولو کان من النهی فهو قسم آخر بوجه، کالأمر بترک الصلاة أیّام الإقراء الراجع إلی النهی عنها حقیقة.
وثالثاً : إنّ المبغوض مثلاً فی مسألة مالکیّة الکافر للمصحف والمسلم وإن لم یکن إنشاء الملکیّة وإنشاء المبادلة والاشتغال بالإنشاء، ولکن أیضاً لیس حصول الملکیّة، بل المبغوض دوام الملکیّة، فإنّه ینافی نفی السبیل المذکور فی الکتاب، فلو أنشأ المبادلة، وحصلت الملکیّة آناً ما وانتفت فوراً، فلاسبیل، وتصیر النتیجة أنّ
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 365 الثمن یدخل فی کیس البایع، والمثمن یصیر حرّاً غیر مملوک، ومالاً بلا مالک بحکم الشرع، وهذا هو الأوفق بالاعتبار ممّا ذکره الأصحاب فی هذه المسألة.
إذا تبیّن وجه لزوم البحث فی المقامین وهذه المقدّمة النافعة، فلنشرع فی حقیقة البحث.
فنقول :
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 366