التذنیب الثانی : حول أخذ سائر الدواعی القربیّة فی متعلّق الأمر
فی إمکان أخذ سائر الدواعی القربیّة فی متعلّق الأمر وعدمه قولان: فصاحب «الکفایة» اختار الأوّل، والعلاّمة النائینیّ ذهب إلی الثانی؛ مدّعیاً جریان المحاذیر السابقة فی المراحل الثلاثة: مرحلة الإنشاء، والفعلیّة، والامتثال هنا.
وأنت بعدما أحطت خبراً بفساد ما أفاده هناک، فلا تحتاج إلی التکرار المملّ؛ والاطناب المبطل، ولا أدری إنّ من یقول بالامتناع مطلقاً، کیف یصنع مع قوله تعالیٰ: «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّٰهِ»؟!
وبناءً علیٰ ما سلف منّا، لاتکون هذه الدواعی داخلة فی متعلّق الأمر، حتّیٰ تکون واجبات ضمنیّة، بل هی أیضاً ـ مثل قصد الأمر والامتثال ـ عناوین مشیرة إلیٰ أخصّیة المرام والمقصد؛ علی الوجه الماضی تفصیله.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 146 وأمّا ما فی «الکفایة» : «من أنّ هذه الدواعی غیر معتبرة قطعاً؛ لکفایة الاقتصار علیٰ قصد الامتثال الذی عرفت عدم إمکان أخذه فیه» انتهیٰ، فهو لایرجع إلیٰ محصّل؛ لأنّ من الممکن جهل العبد بالأمر، وإذا أتیٰ بالصلاة لا بإحدی الدواعی الاُخر القربیّة کقصد المحبوبیّة له تعالیٰ، أو قصد مصلحة منتهیة إلیه تعالیٰ، أو سائر المقاصد العالیة التی لاتنالها أیدینا، ولا بداعی الأمر، فإنّه عند ذلک تصحّ صلاته، ولاتجب علیه الإعادة؛ لإطلاق الأمر.
فبالجملة : امتناع أخذ أحد الأطراف الکافیة فی عبادیّة العبادة، لایورث قصوراً فی التمسّک بالإطلاق، بعد کون غیره من سائر الدواعی ممکن الأخذ.
بل هذا أمر سارٍ فی جمیع الشرائط؛ فإنّه لایتمکّن العبد من جمیع أفراد الشرط قطعاً، ولکن تمکّنه من بعض مصادیقه کافٍ فی إمکان الإطلاق فی حقّه، فلاتخلط.
فبالجملة : لا محصّل لما أفاده؛ لأنّ المقصود فی المقام إثبات إمکان تمامیّة مقدّمات الإطلاق، وإذا أمکن ذلک فقضیّة القاعدة هی أصالة التوصّلیة، ولایلزم إتیان الفعل بإحدی الدواعی القربیّة، فقوله بکفایة قصد الامتثال، أجنبیّ عمّا هو المقصود بالأصالة.
ولو کان مقصوده أنّ التقیید بهذه الدواعی، یستلزم عدم إجزاء قصد الأمر والامتثال، فهو مندفع بحکم العقل بحصول القربة أوّلاً بذلک، وبالإجماع ثانیاً، فلابدّ من أخذ هذه الدواعی علیٰ سبیل منع الخلوّ، حتّیٰ یعلم: أنّه من الواجب التعبّدی والتوسعة الثابتة من ناحیة غیرها، لایضرّ بلزوم أخذ إحداها، وإذا طرح التقیید یعلم: أنّ تمام مطلوبه ومرامه نفس الطبیعة بأیّ نحو اتفقت.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 147