التنبیه الأوّل : حول التمسّک بمتمّم الجعل وبمعنی العبادیة
لإثبات التقیید
استفادة التقیّد به علیٰ طریقتنا، ممکنة بالأمر الأوّل، فیؤخذ عنوان «قصد الأمر» فی المتعلّق، ویصیر هذا سبباً لانتقال المکلّفین إلیٰ أخصّیة المرام والمقصد، من غیر تعلّق الأمر بهذا القید؛ لأنّه عنوان مشیر إلیٰ أمر آخر وممکنة بالأمر الثانی الإرشادیّ إرشاداً إلیٰ ما سلف.
وأمّا الإرشاد إلیٰ أنّه جزء المأمور به وشرطه، حتّیٰ یکون فی الانحلال مثلاً ینحلّ إلیه الأمر، فهو غیر محتاج إلیه، بل ربّما لا یساعده بعض ما مرّ منّا فی الإشکال علی الأمر الثانی، فتأمّل جیّداً.
وممّا ذکرنا یظهر: أنّ التمسّک بالمتمِّم للجعل؛ بتوهّم أنّ الأمر الأوّل ممتنع أن یشمل هذا القید، ولکن یتمّم ذلک بالأمر الثانی، کما أفاده العلاّمة النائینیّ، فی غایة السقوط؛ فإنّ الأمر الثانی لایمکن أن یکون باعثاً إلیٰ باعثیّة الأمر الأوّل، کما مضیٰ، ولایمکن أن یرشد إلیٰ قید فی المأمور به الأوّل؛ للزوم الامتناع والخلف، کما هو الظاهر، فمن یقول بالامتناع، لایمکن له أن یتوسّل إلی استفادة العبادیّة من الألفاظ ـ ولو کانت إرشادیّة ـ إلاّ بالوجه الذی أبدعناه فی المسألة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 178 وأمّا ما أفاده السیّد المجدّد الشیرازیّ فی المقام: «من أنّ العبادیّة إنّما هی کیفیّة فی المأمور به، وعنوان له، ویکون قصد الأمر أو الوجه أو غیر ذلک، من المحقّقات لذلک العنوان، ومحصّلاً له، من دون أن یکون متعلّقاً للأمر، ولا مأخوذاً فی المأمور به.
وبالجملة : العبادة هی عبارة عن الوظیفة التی شرعت لأجل أن یتعبّد بها العبد، فالصلاة المأتیّ بها بعنوان التعبّد وإظهاراً للعبودیّة، هی المأمور بها، والأمر بها علیٰ هذا الوجه بمکان من الإمکان» انتهیٰ.
ففیه أوّلاً : أنّ هذا هو الوجه الذی یستلزم سقوط بحث التعبّدی والتوصّلی، کما شرحناه سابقاً، وذکرنا أنّ هذه المسألة مبنیّة علیٰ تقوّم عبادیّة العبادة بقصد الأمر والامتثال، وأنّ المشکلة التی حدت الأعلام إلیٰ فتح هذا الباب؛ أنّ العبادیّة معناها الإتیان بداعی الأمر، فکیف یعقل أخذه فی متعلّق الأمر؟!
وثانیاً : هذا یستلزم الاشتغال؛ لأنّ الواجب بناءً علیه ـ کما مضیٰ منّا ـ یصیر عنوان «العبادة» وعند ذلک إمّا یتعیّن الاحتیاط مطلقاً فی الأقلّ والأکثر إلاّ فی التوصّلیات، أو یتعیّن الاشتغال فی المحصّلات الشرعیّة، ولا أظنّ التزامه بذلک.
وثالثاً : یلزم کون الأمر المتوجّه إلی العبادات توصّلیّاً، وأنّ مناط العبادیّة کون الفعل صادراً عن داعٍ إلهیّ، وهذا أیضاً بعید. مع أنّه مناقض لما أفاده من کفایة الإتیان بالفعل بداعی الأمر فی العبادیّة، فراجع وتدبّر.
وأمّا استفادة العبادیّة من الإطلاق المقامیّ، فهو أیضاً محلّ المناقشة؛ لأنّه فیما إذا أمکن إفادتها بالألفاظ، وهی ـ علیٰ ما أشرنا إلیه ـ علیٰ ما سلکه القوم ممتنعة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 179 نعم، هی ممکنة لو کانت هی الإرشاد إلیٰ أخصّیة المرام وضیق الطلب، دون أن تکون إرشاداً إلیٰ قید فی المتعلّق؛ لأنّه یستلزم الامتناع المزبور.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 180