الجهة الثانیة : فی حکم التعدّد الشخصی للشرط
إذا تعدّد الشرط شخصاً، فهل هنا تتداخل الأسباب، أم لا؟ قولان:
فعن المشهور کما عرفت عدم التداخل، وعن الحلّی رحمه الله التداخل هنا وإن قال بعدمه فیما سبق.
وربّما یقال : إنّ مقتضیٰ بعض کلمات الشیخ وما أفاده السیّد الاُستاذ البروجردیّ؛ هو عدم التداخل هنا، والتداخل فیما سبق، عکس تفصیل الحلّی،
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 109 والأمر سهل.
والذی لابدّ من الإشارة إلیه هنا اُمور؛ حتّی_' یتّضح حقیقة الأمرفیهذه المرحلة:
أحدها : أنّ فی هذه المرحلة لایتصوّر التقارن، فتکون الوجوه المستند إلیها فی البحث السابق ـ الراجعة إلی أنّ التصرّف فی إطلاق الشرط یکون من ناحیتین، بخلاف التصرّف فی إطلاق الجزاء ـ کلّها ساقطة، وهکذا کلّ وجه یرجع إلیٰ ذلک، کما لایخفیٰ.
ثانیها : أنّ الشبهة التی أوردها السیّد الاُستاذ البروجردیّ قدس سره علی أساس المسألة من امتناع تقیید الجزاء، تجری هنا، وما جعلناه مفرّاً منها وحلاًّ لها فی تلک المرحلة لایأتی فی هذه المرحلة؛ ضرورة أنّ تقیید الوضوء والغسل بعنوان الشرط ـ وهو الجنابة والبول والنوم وهکذا ـ کان ممکناً هناک، ولایمکن هنا، فلابدّ من التقیید بوجه آخر وهو المرّة الثانیة والتکرار وغیر ذلک، وسیأتی فی بحث تداخل المسبّبات إشکال هذا النحو من التقیید بما لا مزید علیه.
ویمکن أن یقال : بأنّ مقتضیٰ ما استدلّ به لإثبات امتناع التقیید؛ هو أنّ کلّ واحد من الدلیلین لیس ناظراً إلی الآخر، وهذا فیما نحن فیه غیر تام؛ لوحدة الدلیل کما لایخفیٰ.
ثالثها : أنّ الشبهة التی أوضحها الوالد المحقّق ـ مدّظلّه علیٰ أساس البحث تأتی هنا، وما جعلناه جواباً وحلاًّ لها لایأتی هنا؛ لأنّ المفروض هنا تعدّد
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 110 السبب من نوع واحد، فیکون المراد فی ناحیة السبب واحداً، والمجعول للسببیّة هو النوم، فلایلزم منه تعدّد الإرادة علی الوجه المحرّر فیما سبق.
اللهمّ إلاّ أن یقال: لو فرضنا تعدّد السبب، فلابدّ وأن یکون ذلک بلحاظ کثرة الوجود، فإذا کان مصداق النوم الموجود أوّل الزوال سبباً، فلابدّ من کون الملحوظ هی الطبیعة المتخصّصة بالوجود، لا نفسها، وحیث إنّ وجود المصداق الثانی غیر وجود المصداق الأوّل، فلایکون هناک جامع حتّیٰ یکون هو السبب بذاته، فإذا لم یکن جامع فلابدّ وأن تتعدّد إرادة الإیجاب فی ناحیة الجزاء، وهو یقتضی تعدّد المادّة فی تلک الناحیة حتّیٰ لایلزم محذور عقلیّ؛ وهو تعدّد الإرادة التأسیسیّة مع وحدة المتعلّق، کما مرّ مراراً بما لا مزید علیه.
رابعها : یمکن دعویٰ أنّ استفادة تعدّد السبب هنا مشکل؛ لأنّ الإطلاق لایفید إلاّ أنّ النوم مثلاً تمام العلّة، والإطلاق السریانیّ ممّا لا أساس له، ولأجل هذا یشکل تصویر تعدّد السبب هنا وفی المسألة السابقة علی الوجه المقصود فی المقام: وهو أنّ کلّ نوم یستتبع الوضوء، وکلّ بول کذلک.
ولأجل هذه الشبهة لابدّ من التوسّل إمّا بفهم العرف أنّ الأمر کذلک، کما فی قوله تعالیٰ مثلاً: «أَحَلَّ الله ُ الْبَیْعَ» وأمثاله، أو بالبحث فرضاً؛ لإمکان أن یوجد فی الفقه أحیاناً قرینة لفظیّة فی الأدلّة الخاصّة علی السریان، کما إذا اُفید ذلک بلفظة «کلّما» و«مهما» وأمثالهما، وإلاّ فما هو القدر المتیقّن من تعدّد السبب ما إذا تخلّل الامتثال بین الأسباب، وأمّا إذا لم یتخلّل فلا دلیل علیٰ سببیّة کلّ فرد من النوم، أو علی سببیّة البول والنوم، فلاحظ واغتنم.
وبعبارة اُخریٰ : لو فرغنا من المسألة الاُصولیّة یکون البحث لغواً؛ لما
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 111 لایوجد فی الفقه مورد یحرز السببیّة المطلقة حسب الدلیل حتّیٰ یکون صغریٰ هذه المسألة إلاّ شاذّاً.
إذا حصَّلت هذه الاُمور، فمن ملاحظة بعض الوجوه السابقة ـ بضمیمة حکم العقلاء، مع قطع النظر عن القرائن الخاصّة ـ تکون أصالة عدم التداخل محکّمة.
اللهمّ إلاّ أن یقال: بأنّ مفروغیّة المسألة حسب نظر العقلاء عندنا غیر واضحة، وإذا راجعنا الأمثلة الخاصّة فی محیطهم ـ مع قطع النظر عن الأمثلة الشرعیّة نجد کثیراً ما خلاف ذلک، فالحقّ أنّ تأسیس الأصل اللفظیّ والعقلائیّ فی هذه المسألة، فی غایة الإشکال؛ لاختلاف الأمثلة، ولاختلاف خصوصیّات الموضوعات والطبائع المأخوذة فی نفس القضایا.
وإلی هذا یرجع القول بالتداخل فی مسألة نواقض الوضوء، ومسوّغات التیمّم، وموجبات الغسل وأمثالها، ولا یظهر لی أنّ ذهاب الأصحاب رحمهم الله فی هذه المواقف إلی التداخل کان لأجل الإجماع أو القرائن الخاصّة، بل ربّما کان ذلک لشهادة نفس الموضوعات علیه، کما تشهد علیٰ عدم التداخل فی مواقف اُخر، ویشکل الأمر فی ثالث، والله ولیّ التوفیق.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 112